بقلم : شذى سنجلاوي
رحيلُ الشهداء ليس نهاية الحكاية، بل بدايتُها. حين يرتقي أصحاب الموقف والإيمان بالقضية، يبقى أثرهم شاهدًا على أن الحقّ وإن غاب رجاله بأجسادهم، فإن أصواتهم تبقى تضيء الطريق من بعدهم. وهكذا كان رحيل الشهيد صالح الجعفراوي؛ لم يُسكت الحقّ، بل أيقظه في قلوب الملايين. لقد رحل جسدًا، وبقي روحًا ورسالةً وصوتًا لا يُكسر.
أيّها الشهيد الصالح، يا صالح الجعفراوي، يا صاحب الكلمة التي لم تَخَف يومًا سلطانًا ولا قاتلًا ولا محتلاً، عشت حرًّا واستشهدت حرًّا. سبحان من أحياك لأداء الأمانة، ثم أحبّ لُقياك فاختارك شهيدًا ورفع مقامك وأبقى ذكرك.
سبعُ رصاصات اخترقت جسدك الطاهر… سبعٌ لا أكثر ولا أقل. لم تكن عبثًا، ولم تكن مجرد اندفاع غادر نحو جسد أعزل، بل كانت رسالةً حاول المحتلّ بها أن يقول إنه قادر على إسكات الحق بالقوّة. لكنهم لم يدركوا أن الرسائل التي تُكتب بالدم لا تُمحى، وأن الصوت الذي يخرج من ضمير الأمة لا يُدفن.
سبع رصاصات كانت اعترافًا صريحًا بفشلهم أمام 7 أكتوبر، ودليلًا دامغًا على أنهم يخافون الكلمة أكثر من خوفهم من السلاح. فالاحتلال الذي يرتعد من صوتٍ واحد، وصحفيٍّ واحد، وصاحب موقف واحد مثل صالح الجعفراوي، ليس قويًّا كما يدّعي؛ بل هشٌّ إلى درجة الرعب من كلمة صدق تفضح جرائمه أمام العالم.
لقد أرادوا بجريمتهم أن يروّعوا الشرفاء، فإذا بهم يصنعون من صالح رايةً تُرفع في وجه ظلمهم. أرادوا إخماد صوته، فإذا بصوته يتحوّل إلى آلاف الأصوات. أرادوا أن يطمسوا الحقيقة، فإذا بهم يُثبتونها بدمه الزكيّ.
ولعن الله الصهاينة الظالمين ومن والاهم، وشتّت شملهم تشتيتًا لا اجتماع بعده، وجعل بأسهم بينهم إلى يوم الدين. لقد أخطأوا الطريق حين ظنّوا أن الرصاص يمكن أن ينهي قضيةً أو يمحو إرثًا أو يوقف عقيدة. فالحق باقٍ مهما طال ليل الظلم، والعدالة آتية وإن تأخرت، والشهادة طريقٌ لا يسلكه إلا العظماء.
نم قرير العين يا صالح الجعفراوي… فقد تركت وصيةً لا تُنسى:
الدفاع عن الحق واجب، وفضح الظلم مسؤولية، والحرية ثمنها رجال يكتبون التاريخ بدمائهم.