×
آخر الأخبار

اسم الكاتب : المرشدة النفسية شروق القضاة

القضاة تكتب : حين يصبح طلب المساعدة شجاعة: نحو مجتمعٍ يتقبّل العلاج النفسي

{title}
22 الإعلامي   -

بقلم : المرشدة النفسية شروق القضاة

 

تشير دراسة حديثة في العالم العربي إلى أن 60٪ من المصابين باضطرابات نفسية لا يراجعون الأخصائيين النفسيين خوفًا من نظرة المجتمع إليهم.
هذه النسبة الصادمة تكشف عن حجم الوصمة الاجتماعية التي ما زالت تحيط بالعلاج النفسي، وتدلّ على مدى الحاجة إلى رفع الوعي حول أهمية الرعاية النفسية بوصفها جزءًا أساسيًا من الصحة العامة.

في عالمٍ يزداد تعقيدًا يوماً بعد يوم، لم يعُد الحفاظ على التوازن النفسي رفاهيةً، بل ضرورةً حياتية. ومع ذلك، ما زالت نظرة المجتمع العربي إلى من يلجأون للعلاج النفسي محاطةً بالتحفّظ وسوء الفهم، وكأن طلب المساعدة النفسية يعني ضعفاً أو خللاً. هذه النظرة القاصرة لا تضرّ الأفراد فقط، بل تُسهم في تأخير الوعي الجماعي بأهمية الصحة النفسية كركيزة للحياة السليمة.

إن الشخص الذي يقرّر التوجه إلى الأخصائي النفسي لا يهرب من مشكلاته، بل يواجهها بوعي وشجاعة. فالعلاج النفسي ليس اعترافًا بالهزيمة، بل هو خطوة نحو الفهم والاتزان والقدرة على التعامل مع ضغوط الحياة بشكل صحي. إن الإرشاد النفسي يُعطي الإنسان أدواتٍ عملية للتعامل مع القلق، الحزن، ضغوط العمل والعلاقات، ويعيد إليه السيطرة على ذاته، لا العكس.

ومن المؤسف أن بعض المفاهيم الاجتماعية ما زالت تُربط بين "الذهاب إلى الطبيب النفسي" وبين "الجنون"، في حين أن المجتمعات المتقدمة تعتبر زيارة الأخصائي النفسي أمرًا طبيعيًا يشبه زيارة أي طبيب آخر. فكما يحتاج الجسد إلى العلاج عند المرض، يحتاج العقل والنفس إلى الرعاية عند الاضطراب أو الإنهاك.

لذلك، تقع مسؤولية تغيير هذه النظرة على عاتق الجميع: الإعلام، المؤسسات التعليمية، الأسر، والأخصائيين النفسيين أنفسهم. فكلما ازداد الوعي بدور العلاج النفسي وأُبرزت قصص النجاح والتحسّن، أصبح المجتمع أكثر تقبّلًا للحديث عن مشكلاته النفسية دون خجل أو تردّد.

من المهم أن نُعيد تعريف "القوة" في مجتمعاتنا. القوة ليست في كتمان الألم أو تجاهل المعاناة، بل في الاعتراف بها والسعي لتجاوزها بطريقة صحيّة. واللجوء إلى الأخصائي النفسي هو أحد أرقى أشكال الاعتناء بالنفس، ودليل على رغبة الإنسان في التطور والنضج والشفاء.

ختامًا، إن بناء مجتمعٍ يتقبّل فكرة العلاج النفسي يبدأ بخطوة واحدة: أن نتحدث عنها بصوتٍ عالٍ دون خوف أو حكم. حينها فقط، سيغدو طلب المساعدة رمزًا للشجاعة، لا للضعف — وسيكون الاهتمام بالصحة النفسية علامة وعيٍ وازدهارٍ لا تقلّ قيمة عن أي إنجاز مادي أو علمي.