بقلم فادي زواد السمردلي 
#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال
ألقى جلالة الملك عبد الله الثاني خطاب العرش في افتتاح أعمال الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين، في لحظة سياسية واقتصادية وإقليمية شديدة الحساسية، مما منح الخطاب أهمية تتجاوز طقوس الافتتاح البرلماني، ليتحوّل إلى خارطة طريق سياسية ووطنية شاملة ولقد جاء الخطاب محملاً برسائل واضحة، موجهة للشعب ومؤسسات الدولة وأطراف الإقليم والعالم، تضع جميعها الأردن أمام مرحلة جديدة عنوانها العمل والمسؤولية المشتركة.
في بداية الخطاب، اختار الملك أن يعيد تعريف علاقة القائد بالشعب، لا من موقع السلطة بل من موقع الرفقة في القلق والتحديات فقال بوضوح “يقلق الملك، لكن لايخاف إلا الله، ولا يهاب شيئاً وفي ظهره أردني”. هذه العبارة لم ترد في متن الخطابات الرسمية سابقاً بهذا الوضوح، وهي تحمل دلالات قوية على أن الملك يريد تأكيد وتعزيز الثقة المتبادلة بين القيادة والشعب، بحيث يكون المواطن الركيزة التي يستند إليها النظام السياسي في مواجهة المصاعب المتلاحقة.
كما اكد جلالة الملك على ضرورة الانتقال من مرحلة وضع القوانين إلى مرحلة تحقيق النتائج فالأردن قطع شوطاً في الإصلاح السياسي، لكنه – كما أوضح – ما يزال أمامه الكثير في مجال الإقتصاد والخدمات وهذه الرسالة تضع البرلمان تحديداً أمام مسؤولية تاريخية فالتشريعات وحدها ليست كافية، بل يجب أن تترجم إلى مشاريع وفرص عمل وتحسين ملموس في مستوى المعيشة وهو بذلك يحفز أداءً رقابياً أكثر صرامة وإبتعاداً عن الشعبويات والمصالح الضيقة التي تعيق المسار الإصلاحي.
ولم يكتفِ الملك بتحديد الأولويات، بل رسم بوضوح ملامح الدولة التي يريدها الأردنيون، اقتصاد منتج وجاذب للاستثمارات، خدمات عامة شفافة وفعالة، ونظام تعليمي وصحي قادر على مواكبة العصر فهذه ليست رؤى نظرية، بل مطالب تنبع من عمق الألم الشعبي المتراكم حول البطالة وغلاء المعيشة وضعف الخدمات، فكان الملك في هذا السياق صوت الأردنيين لا مجرد متحدث باسم الدولة.
وفي محور الأمن والدفاع، أعاد الملك التأكيد على الدور المركزي للقوات المسلحة الأردنية باعتبارها سياج الوطن وصرح الشرعية فالإشارة إلى “رجال مصنع الحسين” ليست مجرد عبارات رمزية، بل تمثل ترسيخاً لثنائية الأمن والشرعية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، واستمرار النهج الوطني .
أما في البعد الإقليمي، فقد جاء موقف الأردن من القضية الفلسطينية حاسماً وغير قابل للتأويل فرسائل الملك إلى غزة كانت رسالة أخوة وفعل، لا مجاملة سياسية فالأردن سيبقى إلى جانب الفلسطينيين بكل إمكانياته.وكما شدد على رفض الانتهاكات في الضفة الغربية، مؤكداً في الوقت نفسه استمرار الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس باعتبارها مسؤولية تاريخية وسياسية لا تخضع لمساومات أو ضغوط فهذه الرسائل تجدد الدور المحوري للأردن في الإقليم، وتعيد التأكيد على ثوابت السياسة الخارجية الأردنية التي تضع فلسطين في مقدمة أولويات الدولة.
وفي خاتمة الخطاب، وضع الملك المبدأ الأساسي الذي لا يتغير “لا خوف على الأردن القوي بشعبه ومؤسساته” فهذه العبارة ليست طمأنة فحسب؛ بل تحمّل الجميع واجب حماية الوطن بالحفاظ على تماسكه ووحدته والعمل الجاد من أجل تقدمه فالأردن، كما قال الملك، وُلد في قلب الأزمات، لكنه لم يعرف الضعف يوماً ما دام أبناؤه يحملون العزيمة ويواجهون المصاعب بإيمان وإرادة.
يمكن القول إن خطاب العرش لهذا العام جاء مختلفاً في نبرته ورسائله، فقد تضمن مكاشفة صريحة، وثقة متجددة بالشعب، ودعوة واضحة للانتقال من مرحلة الحديث عن التحديات إلى مرحلة الإنجاز الفعلي. إنها دعوة لإعادة بناء العلاقة بين المواطن والدولة على أساس الشراكة والمسؤولية، ليثبت الأردني مرة أخرى أنه حجر الأساس في استقرار الوطن وازدهاره.






 
			











