بقلم فادي البوري
يُعَدّ زيت الزيتون في الأردن أكثر من مجرد منتج غذائي، فهو رمز للبركة والصحة، وجزء من علاقةٍ قديمةٍ تربط الإنسان بالأرض ومع اقتراب موسم القطاف هذا العام، نرى الأسعار تتصدر المشهد وتثير الجدل، إذ وصلت “التنكة” الواحدة إلى ما بين 130 و140 دينارًا، وهو رقم غير مألوف منذ سنوات، وقد أشعل نقاشات واسعة في الشارع الأردني حول ما يحدث في سوق الزيت.
يُعرف الأردنيون بعلاقتهم الخاصة مع الزيت، إذ يبلغ متوسط استهلاك الفرد ما بين 15 و20 كيلوغرامًا سنويًا، أي ما يعادل تقريبًا تنكتين لكل عائلة وهذا الرقم يعبر عن ارتباط سلوك ثقافي واجتماعي عميق، فزيت الزيتون حاضر في كل بيت ومائدة، من فطور الزعتر والزيت، إلى الطبخ، والعلاج، وحتى في المناسبات العائلية.
ارتفاع الأسعار هذا الموسم له أسبابه المتشابكة فالإنتاج المحلي تراجع بسبب الجفاف وقلة الأمطار، وتكاليف العمالة والنقل ارتفعت بشكل ملحوظ، كما أن بعض التجار لجأوا إلى التخزين والمضاربة، في حين ازداد الطلب المحلي والخارجي، خصوصًا من أسواق الخليج التي تُقبل على الزيت الأردني لجودته العالية فهذه العوامل مجتمعة جعلت من الزيت موضوعًا اقتصاديًا حساسًا، تتباين حوله الآراء بين من يطالب بتدخل الدولة لضبط الأسعار، ومن يرى أن السوق يجب أن يبقى حرًا تحكمه قوانين العرض والطلب.
في خضم ذلك، نجد أنفسنا كمواطنين عالقين ما بين بـ”الزيت المبارك” وثقل كلفة شرائه، مما دفع كثيرين إلى تقليص الكميات أو البحث عن بدائل. ومع ذلك، برزت مبادرات شعبية على مواقع التواصل تدعو لشراء الزيت مباشرة من المزارع أو المعصرة، دعمًا للإنتاج المحلي وتخفيفًا للأعباء على المستهلك.
ورغم ضجيج السوق الذي نسمعه وقلق الناس من الغلاء، يظل زيت الزيتون جزءًا لا يتجزأ من الهوية الأردنية، وركنًا من تراثها العريق الذي لا يمكن التفريط به وبين كمية “التنكتين” وواقع الأسعار، تبقى الحاجة إلى توازنٍ يحافظ على بركة الزيت، ويصون هذا الإرث من أن يتحول من رمزٍ للخير... إلى رفاهيةٍ يصعب على الناس اقتناؤها.






