بقلم: آلاء سلهب التميمي
تعكس قضية سرقة الأعضاء من جثامين الفلسطينيين واحدة من أبشع صور الاحتلال الصهيوني، ليس فقط لأنه يمارس القتل اليومي بحق أبناء الشعب الفلسطيني، بل لأنه يواصل انتهاكه لهم حتى بعد موتهم.
فالأجساد التي تعود ناقصة، والعيون التي تُستأصل، والأحشاء التي تُنهب من داخل الجثامين، كلّها شواهد دامغة على احتلال قائم على الجشع والطمع، لا يعرف حدودًا أخلاقية ولا إنسانية. إن تحويل الجسد الفلسطيني إلى مادة خام للربح يكشف طبيعة الاحتلال التي ترتكز على الاستباحة والسرقة منذ اللحظة الأولى لقيامه.
منذ عقود، تتكرر الشهادات حول جثامين تُعاد لأهلها في حالة مرعبة: صدور مفتوحة بخيط جراحي، بطون فارغة، جلد منزوع من مناطق واسعة، وعيون مستأصلة.
هذه ليست آثار “تشريح روتيني”، بل علامات واضحة لاستئصال أعضاء بشرية. ولعلّ الاعتراف الذي صدر عام 2000 عن رئيس معهد الطب الشرعي الإسرائيلي– أبو كبير – بأن الطواقم الطبية كانت تنتزع الجلد والقرنيات وصمامات القلب من جثث الفلسطينيين دون علم ذويهم، يشكّل دليلًا رسميًا بالغ الخطورة لا يستطيع الاحتلال التنصل منه. الاعتراف وحده يكفي ليكشف أن هذه الممارسات ليست “أخطاء فردية”، بل جزء من منظومة كاملة تنظر إلى الفلسطينيين كأجساد قابلة للاستغلال.
إن وجود سوق سوداء عالمية للأعضاء البشرية، تُقدّر بمليارات الدولارات، يجعل الاحتلال ينظر إلى الجسد الفلسطيني نظرة تجارية محضة.
وفي ظل قوة عسكرية تسيطر على الأرض، والمستشفيات، ومراكز الطب الشرعي، تصبح الجريمة أقرب إلى “صناعة” منظّمة تتكرر بهدوء بعيدًا عن الرقابة.
فمبدأ الاحتلال الأساسي هو الربح: سرقة الأرض تُتبع بسرقة الأرواح، وسرقة الأرواح تُستكمل بسرقة الأعضاء. ومن يبرّر لنفسه اغتصاب أرض شعب كامل، لن يجد أي حرج في اغتصاب جسده بعد موته.
تأتي “مقابر الأرقام” لتضيف طبقة جديدة من الرعب إلى هذا الملف.
فاحتجاز مئات الجثامين لسنوات طويلة، دون أسماء، ودون معلومات، لا يمكن تفسيره إلا باعتباره مستودعًا صامتًا لجثث يتم التعامل معها كمواد قابلة للفتح والتفريغ عند الحاجة.
إنّ المجتمع الفلسطيني يرى في هذا الفعل أقسى أنواع الإهانة: إذلال الشهيد، ومحو هويته، وتجريد جسده من كرامته، وتحويله إلى مادة يمكن الاتجار بها.
وهذا السلوك يتوافق تمامًا مع عقيدة الاحتلال القائمة على نزع الإنسانية عن الفلسطيني منذ عقود.
الصمت الدولي على هذه الجرائم يضاعف حجم المأساة.
فعلى الرغم من وجود أدلة وشهادات وتقارير، لم تُفتح أي تحقيقات دولية جادة.
القوى الكبرى تتجنب الاقتراب من هذا الملف لأنه يهدد صورة الاحتلال التي تحاول الدفاع عنها سياسيًا وإعلاميًا.
أمّا المنظمات الإنسانية التي تتحرك بسرعة في قضايا أقل شأنًا، فهي هنا تلتزم صمتًا متواطئًا، لأن الضحية عربي ولأن الجلّاد يتمتع بدعم غربي لا يسمح بفضح ممارساته.
وهذا الصمت هو ما يشجع الاحتلال على مواصلة الجريمة دون خوف من المحاسبة.
بالنسبة للفلسطينيين، فإن سرقة الأعضاء ليست حادثة معزولة، بل امتداد طبيعي لسلوك الاحتلال منذ قيامه: سرقة الأرض، سرقة التراث، سرقة المياه، سرقة الهوية، وحتى سرقة الجثامين.
وكلّ ذلك يؤكد أن الطمع والجشع ليسا مجرد صفات طارئة على الاحتلال، بل جوهره الحقيقي.
فالاحتلال الذي لم يحترم حياة الفلسطيني، ولن يحترم موته.
والأيدي التي نهبت الحقول والبيوت، لن تتورع عن نهب الجسد نفسه.
في النهاية، تبقى هذه الجرائم وثيقة إدانة أخلاقية وسياسية، تثبت للعالم أن الاحتلال لا يستند إلى قيم أو قانون، بل إلى القوة والغنيمة والربح الغير مشروع.
وأن الشعب الفلسطيني، الذي قاوم سرقة أرضه وهويته، يرفع اليوم صوته ليقول إن سرقة الأعضاء ليست سوى فصل آخر في قصة احتلالٍ بنى وجوده على الجشع، واستمراره على الطمع، وجرائمه على السرقة.
وإن كشف هذه الحقائق واجب إنساني، ليس فقط للدفاع عن الشهداء، بل للدفاع عن معنى العدالة في عالم مليء بالمصالح وازدواجية المعايير .






