×
آخر الأخبار

اسم الكاتب : عاطف ابو حجر

ابو حجر يكتب : حين يكتب العيسوي

{title}
22 الإعلامي   -

هناك نصوص لا تُقرأ… بل تُشعر. كلمات لا تمرّ على العين، بل تنزل مباشرة إلى موضع لا يعرفه إلا من ذاق لوعة الفقد، ووقف أمام ذاكرة أمٍّ رحلت، وبقي ظلّها حيًّا في القلب. وما كتبه رئيس الديوان الملكي الهاشمي يوسف حسن العيسوي عن والدته في ذكرى رحيلها التاسعة ليس مجرد حديث ابن عن أمّه، بل هو شهادة صادقة على أن الأمّ حين تغيب… يظل حضورها أقوى من كل غياب.

يا صاحب الوفاء… لقد قلت ما لا يقال عادةً إلا في لحظاتٍ تُسكَن فيها الروح، ويُستحضر فيها وجهٌ مضيء لا يكرّره العمر. كلماتك كشفت عن حزنٍ ناضج، ليس بكاءً على غياب، بل اعترافًا بأن النفوس العظيمة لا تنطفئ بمغادرتها، بل تتحوّل نورًا يدوم.

لقد حملتَ في حديثك عن والدتك معنى الخسارة التي تُربّي، والفقد الذي يترك الإنسان جديدًا من الداخل؛ ألين من قبل، وأقوى من قبل، وأقرب إلى الله مما كان. فتلك المرأة التي وصفتها بروحك قبل حروفك، كانت مدرسةً من الصبر والرحمة، ولهذا بقي أثرها فيك شاهداً على عمقها، لا على رحيلها.

ومهما طال الزمن، يبقى القلب يعرف أن الأم ليست ذكرى تُحيى كل عام، بل حياة ممتدة، تُرافق أبناءها في خطواتهم، وتُظلّلهم بدعواتٍ صادقةٍ تسبقهم إلى أبواب الرزق، وتبقى قوتهم حين تضعف السواعد.

إن ما سطرته ليس مجرد حنين، بل عرفانٌ لرجلٍ لم يتنكر لأصله، ولا لفضل اليد التي صاغت شخصيته، ورفعت قامته بين الناس، وغرست فيه صدقًا يلمسه كل من عرفه. وحقّ لك أن تفخر بأمٍّ كهذه، وأن تباهي بحياةٍ أحسنت تربيتك فيها حتى صار لغيابها وقع الأيام لا وقع اللحظات.

رحم الله تلك الروح الهادئة التي تحدثت عنها بهذا الخشوع، وجعل مثواها في أعلى الجنان، وجعل ما كتبتَ عنها صدقة جارية من محبةٍ لا تنفد، وبرٍّ لا ينقطع، وذكرٍ يليق بمقام أمٍّ لم يزدها الغياب إلا حضورًا.
رحمها الله، وثبّت قلبك.