بقلم: المتقاعد العسكري نضال انور المجالي
إنّ هذه الصورة، التي تجمع القائد الراحل الملك الحسين بن طلال، طيّب الله ثراه، ووريث العرش حينها، الأمير عبدالله (جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله)، هي أكثر من مجرد لقطة تاريخية؛ إنها وثيقةُ عهدٍ صامتة، وفصلٌ بليغٌ من فصول الإخلاص للوطن والشعب.
في هذا المشهد المهيب، حيث يتشابك الزي العسكري في دلالة على التزام الهاشميين بخدمة الأمة والوطن، نرى يد المغفور له الملك الحسين وهي تُوضع على صدر الأمير الشاب. هذه اللمسة لم تكن مجرد إشارة وداع، بل كانت "وصية" مجسّدة بالمعنى الأعمق والأشمل للكلمة:
وصيةٌ على الأردن: هي تكليفٌ بحماية الأرض، صيانة المنجزات، والمضي بمسيرة البناء التي أرساها الراحل الكبير بدمه وجهده.
وصيةٌ على الشعب: هي تعهدٌ بالوفاء لهذا الشعب الأردني، الذي أحبّ الحسين وبادله الوفاء، بأن يكون القائدُ الأبَ والأخَ والسند، وأن يظلّ همّه الأول والأخير هو عزّة الأردنيين وكرامتهم.
لقد كان الملك الحسين يضع ثقل سنواتٍ من الحكمة، والتجربة، والمحبة العميقة للأردن على كتف وريثه، قائلاً بلسان الحال: "يا عبدالله، هذا هو ميراثك الأعظم، وهذه هي أمانتك الأقدس". إنه يُسلم الراية لقائدٍ تربّى في مدرسته العسكرية الهاشمية.
في المقابل، يقف الأمير الشاب، الذي أصبح فيما بعد الملك، شامخاً بثبات العسكري، وعينيه تحملان مزيجاً من الاحترام العميق، والفهم لجسامة التكليف، وعزيمة القائد المستعد لحمل الراية. إن هذا المشهد يُلخّص عقوداً من الإرث الهاشمي في فن القيادة: قيادةٌ لا تُورّث كجائزة، بل تُنقل كـ"عهد ومسؤولية"؛ تبدأ بالإيمان بالوطن وتنتهي بالتضحية من أجله.
اليوم، وبعد عقود من العطاء، نرى كيف أن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين قد حمل هذه الوصية بصدق وإخلاص، مُتمسكاً بخطى أبيه الحسين، ومواصلاً الليل بالنهار ليظل الأردن واحة أمن واستقرار، وحصناً منيعاً لأهله ولقضايا أمته. إن استمرار الأردن قوياً ومزدهراً هو أكبر برهان على أن تلك اليد التي وضعت على الصدر كانت يد اختيار، ويد بركة، ويد وفاء للوطن الأغلى.
حفظ الله الاردن والهاشمين
الكاتب نضال انور المجالي






