×
آخر الأخبار

اسم الكاتب : نهاية بدور

نهاية بدور تكتب : "أبو رِجل مسلوخة": من فزع الطفولة إلى رمز الفوضى

{title}
22 الإعلامي   -

بقلم : نهاية بدور

عشتُ في حواري مدينة الزرقاء، حيث البيوتُ الملتصقة، والأزقةُ الضيقة، والجيرانُ الذين يتسامرون إلى ما بعد منتصف الليل. وكنا أطفالاً نلهو حتى تصدحَ المساجدُ لصلاة المغرب.
وحتى نعود لمنازلنا دون أي جهدٍ من أهلنا وبلا مراوغةٍ منا، كانوا يرهبوننا بمقولة: "أجى أبو رِجل مسلوخة". كنا نَهرَعُ لبيوتنا خائفين، نَقْبَعُ تحت أغطيتنا نسمع صوت أنفاسنا المتسارعة ورائحة التراب تختلط بالخوف، حتى يَغشانا النعاسُ ثم النوم. ويُعادُ المشهد كل مساءٍ، يشبه صفارات الإنذار التي تستفزُ الأمانَ فينا...
صورة لا تستدعي التخيل!!
لم يحدث يوماً أنني رسمتُ صورةً في مخيلتي "لأبي رِجل مسلوخة"؛ كان الاسمُ بحد ذاته صورةً لا تستدعي حتى التخيل!
وعندما كبرت، أيقنتُ أن صورة هذا الرجل لا تحملُ معنىً استنباطياً، بل استدلالياً لكلِّ من تُسوّلُ له نفسه إثارة الفزع والخوف في المجتمع. إنه يظهر كالذي هزَّ أمانَ مدينة الرمثا قبل ليلة ولَيلة، أو كالمديرُ الذي يعجزُ أن يدير مؤسسته فينتشر الفساد وتعمُ الفوضى، أو كالطالبُ الجامعي الذي يفسد رسالة صَرْحه بمناوشات لا تليقُ بذلك الصرح، ويتمثل أيضاً كجلسة نميمة تهدمُ بيتَ أمانٍ، فترفعُ كفة الزوج على زوجته!
أبو رِجل مسلوخة هو كلُّ عابثٍ يرمي الحجارة فيُعكّر صفحة الماء. ليس له ملامحٌ محددة، ولا يتمثلُ في شكلٍ معين. يتشبثُ بقدمه كلُّ من يحاول تشويه المكان الذي يمر فيه، ويُمررُ أدواتَ خُبثه ومكره وكيده، ويُوزِّعُ الحطبَ لكل من في جِيدِه "حبلٌ من مسد"!
إننا اليوم، إذ نتذكر تلك الأسطورة القديمة، ندرك أن التحدي الحقيقي ليس في الخوف من شبحٍ خيالي، بل في مواجهة الأفعال العابثة التي تحوّل أماننا إلى فزع متجدد.
فقل لي بِربك كيف نَسمحُ أن يتحول  فزع الطفولة البسيط إلى رمزٍ عميق يجسد فوضى المجتمع وعابثيه؟