×
آخر الأخبار

النجار يكتب : السردية الوطنية بين الأحزاب ورؤية ولي العهد

{title}
22 الإعلامي   -

بقلم: إياد عبد الفتاح النجار – الأمين العام لحزب القدوة الأردني

تواجه الأحزاب السياسية اليوم تحدياً أساسياً يتمثل في قدرتها على صياغة سردية وطنية واضحة ومقنعة تعبر عن الناس وتستجيب لأولوياتهم. فالسردية ليست خطاباً عابراً أو بياناً حزبياً، بل هي الإطار الفكري الذي يفسّر الواقع ويقدّم رؤية متماسكة للمستقبل، ويعطي للحزب هوية واضحة يمكن للمواطن أن يفهمها ويتفاعل معها. ومن دون سردية راسخة، يصبح أي حزب عاجزاً عن بناء الثقة أو تقديم نفسه جزءاً من المشروع الوطني.

وتبدأ السردية الوطنية من فهم حقيقي لواقع المواطن الأردني كما هو، لا كما نرغب في رؤيته. التحديات الاقتصادية وضغوط المعيشة وتراجع فرص الشباب وغياب المسارات الواضحة للمشاركة السياسية كلها عناصر تشكل أساس الخطاب السياسي الجديد. الحزب الذي يقرأ الواقع كما يعيشه الناس يستطيع أن يخاطبهم بلغتهم، ويقدّم حلولاً تنطلق من احتياجاتهم وتطلعاتهم.

كما تحتاج السردية إلى هوية سياسية واضحة. فلا يمكن لحزب أن يقنع المجتمع بدوره ما لم يعرف أولاً ما الذي يمثله، وما قيمه، وما رؤيته لدور الدولة، وما طبيعة دوره في الإصلاح والتنمية. الهوية السياسية ليست شعاراً، بل هي قواعد فكرية وأخلاقية تحدد مسار العمل السياسي وتحميه من التشتت.

وتتسع السردية الوطنية لتشمل الماضي والحاضر والمستقبل ضمن قصة واحدة. فالإرث الأردني العميق يشكل حجر الأساس، لكن قراءته يجب أن تكون قراءة ديناميكية تربط التجربة التاريخية بالواقع الراهن، وتستشرف المستقبل الذي يريده الأردنيون. المواطن يبحث عن رؤية تمنحه الإحساس بالاستمرار والقدرة على التقدم، ولا يريد سرديات مقطوعة عن واقعه أو عن التجربة الوطنية المشتركة.

وفي هذا السياق، تبرز رؤية سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني للسردية الوطنية باعتبارها مشروعاً وطنياً مستمراً يصنعه الأردنيون بتجربتهم اليومية. فالسردية، كما يطرحها سموه، ليست مجرد تسجيل للتاريخ، بل هي رواية حيّة تعبّر عن قيم الدولة ومبادئها وصمودها، وعن قدرة الشعب الأردني على تجاوز التحديات وصناعة الفرص. إنها سردية تجمع الهوية بالذاكرة، وتعزز الفخر الوطني، وتعيد التأكيد أن مسيرة الأردن ليست لحظة عابرة بل مشروع دولة يبنيه أبناؤها عبر الأجيال.

ومهما كانت قوة الفكرة، فإن السردية الوطنية لا تكتمل دون حلول واقعية. المواطن اليوم يريد أن يرى نتائج لا وعوداً، ويبحث عن مشاريع قابلة للتنفيذ، وعن رؤية سياسية تفهم تفاصيل حياته اليومية. الحزب الذي يقدم حلولاً عملية لمسائل العمل، والتعليم، والتنمية المحلية، والصحة، والنقل، يستطيع أن يبرهن على أن رؤيته ليست مجرد كلام، بل برنامج قابل للتطبيق.

كما أن السردية الحقيقية لا تُكتب داخل المكاتب المغلقة. فهي نتاج حوار مع الناس، ومشاركة واسعة من الشباب والنساء والمجتمعات المحلية وأصحاب الخبرة. وعندما يشعر المجتمع أن السردية تعبر عنه، يصبح شريكاً في الدفاع عنها وصيانتها.

وفي كل ذلك، تُبنى السردية الوطنية على خطاب يوحّد الأردنيين ولا يفرّقهم، ويعزز الانسجام بين أبناء الوطن، ويبتعد عن الاستقطاب، ويضع مصلحة الأردن فوق كل اعتبار. فالسردية الوطنية التي تزرع الوحدة هي التي تصمد وتستمر.

وفي النهاية، فإن السردية الوطنية ليست نصاً ثابتاً، بل رؤية حيّة تتطور مع الظروف وتتقدم مع وعي الناس، وتستجيب للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والحزب الذي يملك القدرة على تطوير سرديته باستمرار هو الحزب الذي يستطيع البقاء والتأثير في الحياة العامة.

ونحن في حزب القدوة الأردني نؤمن أن السردية الوطنية هي مشروع جامع يضع المواطن في مركزه، ويستند إلى قيم الدولة الأردنية، ويقدّم رؤية واضحة قابلة للتطبيق، ويعمل مع الناس ولأجلهم. فهي ليست مجرد خطاب سياسي، بل شراكة وطنية في صناعة مستقبل الأردن.