بقلم : تمارا قنديل
تُقبل الحياةُ علينا مثقلةً بأسئلتها، لا تحمل إلينا أجوبةً جاهزة، وتتركنا في منتصف الطريق، نُفتِّش عن معنى الصّبر بين ازدحام الخيبات، وعن ملامح الطمأنينة في وجوهٍ أنهكها التغيّر. تمضي الأيامُ ونحن نجرّ خلفنا أثقالًا لا يراها أحد، ونُجيد ارتداء الثبات كما لو كان خُلُقًا فطريًّا، لا خيارًا اضطررنا إليه.
نكتشف، مع أوّل انكسارٍ صامت، أنّ الطريق أضيق ممّا تخيّلناه، وأنّ العابرين كُثر، والمرافقين قلّة، بعضهم يلوّح من بعيد، وبعضهم يختفي عند أوّل منعطف، فنُدرك أنّ الاتّكاء رفاه، وأنّ الوقوف وحدَنا ليس بطولةً، هو ضرورة.
تتراكم المتاعب كما تتراكم الغيوم، لا تُنذر بالمطر دائمًا، وتُثقِل السماء فقط. نُقاومها بصمتٍ مُتقَن، ونُخفي تعبنا خلف كلماتٍ مهذّبة، لأنّ الشكوى تُنهك أكثر ممّا تُريح، ولأنّ الانكسار حين يُقال، يفقد بعض كرامته. نمضي، لا لأنّنا لا نشعر، لأنّ الشعور وحدَه لا يكفي لنتوقّف.
نعتاد أن نكون السند لأنفسنا، وأن نربت على قلوبنا في العتمة، وأن نجمع شتاتنا دون شهود، نُصلح ما تصدّع في الداخل، ونبتسم كما لو أنّ شيئًا لم يحدث، وكأنّ الثبات قرارٌ يوميّ، لا مهرب منه. في هذا الاعتياد قسوةٌ خفيّة، ويمنحنا شكلًا آخر من القوّة، قوّة لا تُرى ولا تُقال.
تمضي الحياة، ونمضي معها، نتعلّم ألّا ننتظر كثيرًا، وألّا نُحمِّل الآخرين أثقالنا، فلكلٍّ معركته، ولكلٍّ وجعه المؤجَّل. نُدرك أنّ النجاة لا تكون دائمًا باليد التي تمتدّ إلينا.
وحين نلتفت إلى الوراء، لا نجد آثار خطواتٍ كثيرة بجانبنا، ونجد أثرًا واحدًا واضحًا: أثرنا نحن، وقد عبرنا رغم التعب، وثبتنا رغم الانكسار، ومضينا دون أن نتّكئ، لأنّ الحياة، مهما اشتدّت، لا تُجيد حملنا… تُجيد اختبار قدرتنا على حمل أنفسنا.





