إنها أمانة
إنها أمانة
عبدالله خازر الذيب
المتأمل لهاتين الكلمتين يستشعر عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ففي زمن كورونا أدركنا أن العمل متعة ونعمة تستحق الشكر، وما بين خائف موسر.. وحائر معسر، ترى جانبًا مضيئًا في الوظيفة، إنها نوع أمان فقده الكثيرون..”أرزاق منتظمة”.. و”مهام ليست بالشاقة”، وأعظم بهاتين من نعمة، لكنها أيضًا أمانة، فـ”كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”، و”ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة”.
فهذه الأمانة التي فرضها تعالى، وتقر بها الفطر السوية، هي ضرورة من ضرورات الحياة، وقربة يتقرب بها العبد من ربه، ليوقن أن الرزاق هو الله، لا شريك ولا ند له بذلك، فينم قرير العين، لا يخاف من الذئب على غنمه، ولا على قوت عياله، فجل علاه هو وحده من تكفل بهم، ولم يضيق عليهم السعي في طلبه ما دام حلالًا، وأولاه سبحانه أهمية بالغة، لقوله: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾.
وقبل القوانين الوضعية بقرون، راعى ديننا الحنيف أخلاقيات العمل، وحث عليها عند أدائه، كافلًا بذلك للعامل ورب العمل حقوقهما وواجباتهما دون انتقاص، فيشعر الأول بكرامة النفس وعزتها.
وأول هذه الأخلاقيات التي جاء بها الإسلام، وتنادي بها القوانين وتحكمها النصوص والمواد؛ حماية لهذا الحق، هي (العقد)، فهو شريعة المتعاقدين، يوجب الالتزام به، فصان العقد المبرم العلاقة بينهما دون الإخلال ببنودها.
ومن الأخلاقيات التي لا يسعنا ذكرها بالتفصيل، الاتقان والإبداع، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”، وتسريع إنجاز معاملات الناس، وحسن معاملتهم، والصبر على أذاهم، والالتزام بمواعيد الدوام، فالفرد حسيب نفسه قبل أن تراقبه أجهزة الحضور والإنصراف، كذلك عدم الغش في تأديته، وحفظ مقتنياته وأسراره، وعدم استغلال الوظيفة لمآرب شخصية، أضف إلى ذلك التزام الأنظمة واللوائح.
وكما يقال “إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع”، لذا لا يجوز تكليف العامل بما يشق عليه، فحفظ النفس في ديننا مقدم على غيره، أخلاقية أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها، ألا وهي إسناد العمل إلى أهله لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: (يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها).
نافلة القول: إذا كان هذا ما يشترك به الرئيس والمرؤوس، فمع علو الرتبة تزداد المسؤولية، وحقوق العباد أول ما يقضى بها يوم القيامة، والاتقان والإحسان قيمتان غابتا عن الكثيرين، فلنؤد الأمانة إلى أهلها، ونتقي الله بأنفسنا على ما فرطنا في ذلك.