أبو عرجة يكتب … شخصيات عرفتها الاستاذ محمود الشريف
22 الاعلامي – بقلم :أ.د.تيسير أبو عرجة
الأستاذ محمود الشريف أحد الكبار الذين أسسوا الصروح الصحفية الأردنية وشاركوا باقتدار ودراية في قيادة السفينة الصحفية عبر عقود متلاحقة.وكان أحد أعمدة أسرة صحفية عريقة أنجبت عددًا من الصحفيين اللامعين من آل الشريف.
ان الاستاذ محمود الشريف الذي أطلق عليه لقب عميد الصحافة الأردنية بدأت رحلته مع العمل الاعلامي في الاذاعة الاردنية ثم في ادارة التوجيه الوطني ثم انتقل الى الحياة الصحفية مع ميلاد صحيفة المنار التي صدرت في القدس سنة ١٩٦٠.وقد أصدرها الى جانب شقيقه الاستاذ كامل الشريف والاستاذ جمعة حماد . وهي الصحيفة التي قدر لها ان تخضع لقانون دمج الصحف عام ١٩٦٧ بحيث يتم دمجها مع صحيفة فلسطين لآل العيسى وتصدر عنهما جريدة واحدة صدرت باسم الدستور في ٢٧ اذار ١٩٦٧.
وعن أجواء اصدار الدستور كتب الاستاذ محمود الشريف في عددها الأول يقول:لقد قضينا وقتًا طويلًا في البحث عن اسم مناسب لها.ومن الاسماء التي رجحت كفتها على غيرها في النهاية ،،البيان ،،و ،،الصرخة ،، و ،،التقدم ،، .ثم وقع الاختيار على الدستور.لأن الاسم يرمز إلى الدستورية التي كانت نكتة في معظم البلاد العربية في ذلك الوقت .
وجاء في افتتاحية العدد الأول:كما يولد كل مولود جديد من خلال العناء والألم.ومشاعر الرهبة والأمل والشوق ولدت ،،الدستور ،، فجر هذا اليوم محمولة على اكف العناء .أما العناء فلا يعرفه إلا الذين كابدوا مهنة الصحافة بكل ما فيها من من شقاء ومرارة وحرمان.وأما الأمل فهو أن يكون هذا المولود الذي نقدمه لقرائنا بكل تواضع لبنة جديدة في صرح النهضة المباركة التي تبنيها سواعد شعبنا البطل.ومنبرا لكل دعوة خير .وكل نهضة فكر شريف.
وبعد مرور عام على اصدار المنار اصدر محمود الشريف مجلة أدبية ثقافية مرموقة هي ،،الأفق الجديد ،،تحت شعار :مجلة الآداب والثقافة والفكر ،،.وقد صدرت في البداية نصف شهرية تحولت بعدها الى مجلة شهرية بعد عام واحد من صدورها .وكان محررها المسؤول جمعة حماد ومدير تحريرها أمين شنار الذي تولى رئاسة تحريرها لدى اصدارها الشهري وحتى توقفها نهائيًا عن الصدور عام ١٩٦٦.وقد جاء في افتتاحية العدد الأول من المجلة :لقد كان الفكر دائمًا قوة الطليعة في بناء النهضات الراسخة .وما احوجنا في هذه المرحلة الى فكر مستنير ترتبط جذوره بعقائدنا وتراثنا التاريخي .ويلقي ببصيرته على ما حولنا ناقلا مقتبسا .ويرسم من ذلك كله طريق المستقبل لغد أفضل.
ويشار إلى ان هذه المجلة كانت موضع اهتمام ومتابعة من اصحاب الاقلام الأدبية والمهتمة بالفكر والثقافة وقد نشر على صفحاتها الأدباء والشعراء من الاردن وفلسطين وسائر البلدان العربية .وشهدت ميلاد جيل من الادباء الشبان الذين برزت اسماؤهم في حقبة الستينيات .وكان لمحررها الاستاذ امين شنار بما عرف عنه من ابداعات أدبية وشعرية ونقدية دور مهم في سطوع نجم المجلة ورسوخ اسمها بين المجلات الثقافية العربية.
في نهاية الستينيات يتوجه الاستاذ الشريف الى قطر ليقوم بانشاء ادارة الاعلام فيها ويكون له دوره المعلوم في خدمة الاعلام والثقافة في البلد الشقيق .وهي الادارة التي كانت تتولى مهام الاعلام كافة وذلك قبل تأسيس وزارة الاعلام القطرية .وعندما تأسست هذه الوزارة شعر الاستاذ الشريف أنه قد أدى مهمته كاملة وآثر الاستقالة ليعود إلى الاردن متفرغا لصحيفة الدستور .ويقول زميله في الاعلام القطري الاستاذ محمود الشاهد : ان أمير قطر لم يشأ أن يترك خبرة الاستاذ الشريف تذهب سدى فكلفه بأن يكون مستشارًا إعلاميًا للأمير في الديوان الاميري دون إلزامه بالبقاء في قطر .إنما يقدم إليها في فترات متقاربة أو عند الحاجة يقدم العون والمشورة الاعلامية .
ويذكر ان الاستاذ محمود الشريف تسلم حقيبة وزارة الاعلام الاردنية بين ١٩٩١ -١٩٩٣ .وفي عهده صدر قانون المطبوعات والنشر رقم ١٠ لسنة ١٩٩٣ الذي اعتبر قانونًا متقدمًا بالنسبة لما سبقه من قوانين للمطبوعات والنشر . وكانت بنوده تتيح الفرصة لاصدار الصحف والاحتكام الى القضاء في القضايا الصحفية.
أما على الصعيد الانساني فقد كان الاستاذ الشريف الذي يكنى بأبي شوقي شخصية ودودة .ولديه قدرة تواصلية عالية.عرفناه في عديد المناسبات والندوات والمحاضرات . وقدمته محاضرا في اكثر من مرةً في شومان وفي جامعة البترا.وقدمني محاضرا في ندوة شومان لتكريم الدكتور محمود السمرة . وحدثني عن اعجابه ببحث علمي لي نشرته مجلة البصائر المحكمة التي كانت تصدرها جامعة البترا . وكان عنوانه :صورة العرب والمسلمين في وسائل الاعلام الأمريكية .لما فيه كما قال من معلومات غزيرة وتوثيق علمي محكم.
ولطالما سمعت من
الزملاء العاملين معه عن ملامح هذه الادارة الصحفية وتعامله الانساني في علو همته وصفاء سريرته وبأنه يجمع بين الحزم واللطف والحرص على الجودة والنجاح ورقي التعامل.
وبعد مرور عام على رحيله وانتقاله الى بارئه رحمه الله واحسن إليه . أصدرت أسرته كتابًا يتضمن عددًا من مقالاته ومحاضراته وهي تتركز حول الاعلام الاردني .ومهام الاعلام في المرحلة الديمقراطية .ودور وسائل الاعلام في إشاعة اللغة الفصيحة.وواقع الحريات في العالم العربي.
وكتب مقدمة هذا الكتاب الاستاذ خيري منصور الذي قال :ان ما يقوله الاستاذ محمود الشريف هنا في هذه المحاضرات لا يمثل سوى جزء يسير منه.ومن طاقته الاعلامية والثقافية التي كان يترجمها على نحو فوري إلى عمل وادارة ورصد ونقد .