المرشدة التربوية هند عمر تكتب : العنف في المدارس الأردنية: أزمة تربوية تحتاج إلى حلول جذرية

22 الاعلامي – بقلم : المرشدة التربوية هند عمر
باتت ظاهرة العنف في المدارس الأردنية تأخذ أبعادًا مقلقة، حيث أصبحنا نشهد تزايدًا ملحوظًا في الحوادث التي تتراوح بين الشجارات البسيطة وصولًا إلى الاعتداءات الجسدية الخطيرة التي تهدد أمن وسلامة الطلبة. هذه المشكلة لم تعد مجرد تصرفات فردية عابرة، بل تحولت إلى ظاهرة مجتمعية تتطلب وقفة جادة من جميع الأطراف المعنية بالمنظومة التربوية.
يرتبط العنف في المدارس بجملة من العوامل المتداخلة التي تتراوح بين البيئية والاجتماعية والنفسية. ففي ظل تراجع دور الأسرة في بعض الحالات، وغياب الرقابة الأسرية الفعالة، يجد بعض الطلبة أنفسهم في بيئات غير مستقرة تفتقر إلى التوجيه السليم، مما يدفعهم إلى التعبير عن مشاعرهم السلبية بطريقة عدوانية. كما أن المدرسة، التي يفترض أن تكون بيئة آمنة ومحفزة للتعلم، تعاني أحيانًا من ضعف في آليات الضبط والانضباط، مما يسمح بانتشار السلوكيات السلبية دون رادع حقيقي. يضاف إلى ذلك تأثير وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تعزز لدى بعض الشباب ثقافة القوة والعنف كوسيلة لإثبات الذات أو حل النزاعات.
لا يمكن النظر إلى هذه الظاهرة بمعزل عن العوامل المجتمعية الأوسع، فالتوترات الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع تلعب دورًا في زيادة الضغوط النفسية على الطلبة، حيث يجد بعضهم في العنف وسيلة للتنفيس عن مشاعر الإحباط أو الغضب. كما أن هناك فجوة واضحة بين الجيل الجديد والكبار في فهم أساليب التربية، إذ أصبح بعض الأهالي يبررون سلوكيات أبنائهم العنيفة بدعوى “قوة الشخصية”، متجاهلين أن هذه التصرفات تعكس خللًا في القيم والأخلاق يجب تصحيحه بدلًا من دعمه.
لمعالجة هذه الأزمة، لا بد من تبني نهج شامل يدمج بين الإجراءات الوقائية والتأديبية والتوعوية. على مستوى المدارس، يجب تعزيز دور الإرشاد التربوي والنفسي، بحيث يتم تقديم الدعم للطلبة الذين يعانون من مشاكل نفسية أو اجتماعية قد تدفعهم إلى ممارسة العنف. كما أن وجود برامج مدرسية واضحة تُعنى بغرس قيم التسامح واحترام الآخر يمكن أن يسهم في خلق بيئة مدرسية أكثر إيجابية. أما من الناحية التأديبية، فلا بد من تطبيق أنظمة حازمة وفرض عقوبات صارمة على طالب يمارس العنف ، سواء داخل الحرم المدرسي ام خارجه، بحيث يكون هناك ردع فعلي لكل من يحاول انتهاك أمن وسلامة زملائه.
لكن المسؤولية لا تقع على عاتق المدارس وحدها، بل تمتد إلى الأسر والمجتمع بأسره. يحتاج أولياء الأمور إلى إعادة النظر في أساليب تربيتهم، بحيث يغرسون في أبنائهم قيم الاحترام وضبط النفس، مع تعزيز الحوار كأسلوب أساسي لحل المشكلات بدلًا من اللجوء إلى العنف. من جانب آخر، لا بد من تكثيف الحملات التوعوية التي تستهدف الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور، بحيث يتم تسليط الضوء على خطورة هذه الظاهرة وتأثيراتها السلبية على المستقبل التعليمي والاجتماعي للطلاب.
في ظل تزايد هذه الحوادث، يصبح من الضروري أن تتدخل الجهات الرسمية بقرارات صارمة تضمن حماية الطلبة من أي تهديد داخل المدارس أو خارجها. كما أن إيجاد قنوات تواصل فعالة بين المدارس والجهات الأمنية يمكن أن يسهم في التعامل الفوري مع الحالات الخطيرة، مما يضمن عدم تفاقمها وتحولها إلى ظواهر يصعب السيطرة عليها.
إن استمرار العنف في المدارس لا يهدد فقط سلامة الطلبة، بل يؤثر على البيئة التعليمية بأكملها، حيث يصبح الخوف والتوتر عاملين معيقين لعملية التعلم. وإذا لم يتم التعامل مع هذه الظاهرة بجدية، فإنها قد تؤدي إلى أجيال تحمل في داخلها مشاعر العنف والعدوانية، مما ينعكس سلبًا على المجتمع ككل. لذلك، فإن مواجهة هذه المشكلة تتطلب تكاتف الجهود بين جميع المؤسسات التربوية والأسرية والقانونية، لضمان بيئة تعليمية آمنة تعزز القيم الإيجابية، وتوفر للطلبة مساحة للنمو والتطور بعيدًا عن الخوف والعنف.