دين و دنيا
أخر الأخبار

زكاة الفطر أحكامها الفقهية وأسرارها التربوية

الكاتب : المفتي الدكتور حسان أبو عرقوب

تعريفها:

زكاة الفطر، مركبٌ إضافيّ يتكوّن من كلمتين: (زكاة) و(الفِطر)، ولا بدّ من بيان معنى كلّ منهما.

الزكاة لغة: النّماء والطّهارة[1]، بدليل قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[2] فاللهُ تعالى يرفع البلاء عن ذلك المال بسبب تزكيته، فصارت التزكية نماءً من حيث المعنى وإن كانت نقصانا من حيث الصورة، فهي تنمية للمال من حيث البركة، وتطهير للمال ولصاحبه[3].

وشرعًا: مالٌ مخصوص يُخرجُ من مالٍ أو بدن مخصوصٍ على وجهٍ مخصوص[4].

والفِطر نقيض الصّوم، ويقال أفطر إفطارا[5].

ويعبّر عنها الفقهاء بصدقة الفِطر، ونسبة الزكاة والصّدقة إلى الفِطر؛ لأنها إنّما تجب بدخول الفطر، بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان[6].

ويُقال زكاة الفِطْرة أي زكاة الخِلقة[7]؛ لأنها “وجبت على الخِلقة تزكيةً للنفس وتنميةً لعملها”[8]، كما يُقال لما تمّ إخراجه منها فِطرة[9].

فيمكن تعريف زكاة الفطر بأنها: قدر معيّن من المال، يجب إخراجه بدخول أوّل ليلة العيد عن كل مكلّف ومن تلزمه نفقتهم.

حكمة مشروعيتها

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ”[10].

وجه الدلالة: أنّ زكاة الفطر مفروضة؛ لأنها تطهّر الصائم من اللغو وهو الكلام الباطل أو المُطرح، والرفث: وهو القول الفاحش. كما أنها تعين الفقراء وتوفّر لهم قوتهم[11].

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَقَالَ: (أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ)[12].

وجه الدلالة: أمر النبي صلى الله عليه وسلّم أن يتمّ إغناء فقراء المسلمين بتحقيق كفايتهم في يوم عيد الفطر؛ ليرتاحوا من الطّواف على الأغنياء وسؤالهم[13].

حكمها

حكمها الوجوب، حيث تجب على كلّ مسلم ذكر أو أنثى، حرّ أو عبد، كبير أو صغير، بدخول أول ليلة العيد[14].

الدليل: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ”[15].

وجه الدلالة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب زكاة الفطر، وأنّها على المسلمين فقط[16].

شروط وجوبها:

لا بدّ من توفّر ثلاثة شروط لوجوب زكاة الفطر، وهي:

الأول، الإسلام؛ فلا تجب على غير المسلم؛ لما مرّ من حديث ابن عمر السابق.

الثاني، غروب شمس آخر يوم من رمضان ودخول أول ليلة العيد، وبناءً عليه تجب عمّن مات بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان، وعمّن ولد قبل غروبها[17].

الثالث، يسار المكلف، وذلك بوجود زيادة عنده -وإن لم تبلغ الصاع- عن حوائجه الأصلية وقوته وقوت عياله ومن تلزمه نفقتهم في يوم العيد وليلته[18]، فمن لم يكن عنده تلك الزيادة وقت الوجوب فمعسر، وليس عليه زكاة فطر، وإن أيسر بعدها، فإن أيسر قبل غروب شمس يوم العيد استحبّ له أن يُخرجها[19]، والظاهر أن القدرة على الكسب لا تخرجه عن الإعسار[20].

فإن توفرت هذه الشروط الثلاثة في المكلف وجب عليه أن يُخرج زكاة الفطر عن نفسه، وزوجته، وأصوله، وفروعه، ومن تلزمه نفقتهم، وضابط ذلك “أنّ من لزمه فطرة نفسه، لزمه فطرة من تلزمه نفقته”[21]. فإن أعسر الزوج، وأيسرت الزوجة الحرة بها، فالأصح المنصوص أنه لا يجب عليها أن تخرج فطرتها، بل يستحبّ لها ذلك[22].

فإن أيسر المكلّف بما لا يكفي كلّ من تلزمه نفقتهم أخرجها وجوبا عن نفسه أوّلا، ثم زوجته، ثم ولده الصّغير، ثم الأب ثم الأم إن كانا فقيرين ينفق عليهما، ثم ولده الكبير إذا لم يكن له كسب وهو زمِنٌ أو مجنون[23].

وقتها

يمكن تقسيم وقت إخراج زكاة الفطر إلى وقت جواز ووجوب وندب وكراهة وحرمة:

فأمّا وقت الجواز فيبدأ من أول يوم من رمضان، فيجوز للمكلف إخراج زكاة الفطر في أول يوم أيام رمضان حتى غروب شمس يوم الفطر. فإذا غربت شمس آخر يوم من رمضان ودخلت ليلة العيد انتقلنا إلى وقت الوجوب الذي يستمرّ إلى غروب شمس يوم عيد الفطر[24]. والفائدة من هذا التقسيم تظهر فيمن مات قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان فلا تجب عليه زكاة الفطر ولا تخرج عنه، وكذلك من ولد بعد دخول ليلة العيد فلا تجب عليه زكاة الفطر ولا تخرج عنه[25].

ويُندب أن تخرج يوم العيد لا قبله، ويُندب أن يكون ذلك قبل الخروج إلى الصلاة[26]؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ … وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ”[27].

وجه الدلالة: أمر النبي صلى الله عليه وسلم استحبابًا أن تخرج زكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة من يوم العيد[28].

ويُكره تأخيرها إلى ما بعد الصلاة، ويحرم تأخيرها عن يوم الفطر بلا عذر حيث ينتهي وقت أدائها بغروب شمس يومه[29]، فيأثم من أخّرها عنه بلا عذر، وعليه أن يقضيها وجوبًا وفورًا[30]؛ لعصيانه بالتأخير، أمّا الناسي فلا يلزمه الفور؛ لأنه لا يعتبر عاصيًا[31].

مقدارها

ويخرج المكلف صاعًا من غالب قوت بلده، والصاع يساوي (2500غم) فإن كان للبلد أقوات كقمح وشعير وأرز وغلب بعضها كالقمح مثلا وجب الإخراج منه، فإن لم يكن بين الأقوات غالب تخيّر[32]، ودليل ذلك ما ورد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ”[33].

وجه الدلالة: أنّ مقدار زكاة الفطر صاع من طعام من غالب قوت البلد.

والقوت الغالب في المملكة الأردنية الهاشمية هو القمح؛ لأنّ الخبز هو المادة الرئيسة على موائد أهل البلد[34].

ومذهب الشافعي أنه لا يجزئ إخراج القيمة في زكاة الفطر، لكن أجاز المتأخرون منهم إخراجها بالقيمة تقليدًا لمذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه؛ لأنّ دفع القيمة أنفع للفقراء في هذا الزمان[35]، وبه أخذ مجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلامية في المملكة الأردنية الهاشمية[36].

مصارفها

يجب عند الشافعية استيعاب الأصناف الثمانية المذكورين في آية الزكاة عند أدائها[37]، قال الله تعالى: {نَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[38]، والمعتمد أنّ زكاة الفطر لها نفس الحكم، واختار جمعٌ من علماء الشافعية جواز دفعها لثلاثة فقراء أو مساكين، واختار آخرون جواز الدفع لشخص واحد. والمختار للفتوى عند الشافعية جواز دفعها لثلاثة من أهل الأصناف الثمانية، وعلّل الإمام الروياني[39] ذلك بقوله: “وهو الاختيار لتعذر العمل بمذهبنا، ولو كان الشافعي حيّا لأفتي به”[40]، وبناءً عليه، لو دفع زكاة فطره لشخص واحد فقد أخذ برأي بالمذهب ولم يخرج عنه بالكلية[41].

البلد الذي تدفع فيه وحكم نقلها

الأصل أن يخرج المكلّف زكاة الفطر في المكان الذي وجبت عليه فيه، وقد نصّ الشافعية على منع نقل الزكاة من بلد الوجوب مع وجود المستحقين فيه إلى بلد آخر فيه مستحقّون، وفسّروا المنع بالحرمة وعدم الإجزاء[42]. واختار جماعة من الشافعية جواز النقل، وإن كان قولاً مرجوحًا في المذهب[43]، فلا مانع من العمل به؛ لأنه يجوز العمل في جميع الأحكام بقول من يَثق به من أئمة المذهب على المعتمد[44]، وبه أخذت دائرة الإفتاء العام في المملكة الأردنية الهاشمية فأجازت نقل زكاة الفطر إلى غير البلد الذي وجبت فيه[45].

من أسرار زكاة الفطر التربوية:

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ”[46].

وجه الدلالة: أنّ زكاة الفطر مفروضة؛ لأنها تطهّر الصائم من اللغو وهو الكلام الباطل أو المُطرح، والرفث: وهو القول الفاحش. كما أنها تعين الفقراء وتوفّر لهم قوتهم[47].

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَقَالَ: (أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ)[48].

وجه الدلالة: أمر النبي صلى الله عليه وسلّم أن يتمّ إغناء فقراء المسلمين بتحقيق كفايتهم في يوم عيد الفطر؛ ليرتاحوا من الطّواف على الأغنياء وسؤالهم[49].

وفيما سبق تهذيب للنفس، وحملٌ لها على اجتناب الفحش من الكلام، وتعزيز للتكافل الاجتماعي بين المسلمين، وتنبيه ألاّ يغترّ المسلم في عبادته، وأن عليه ألاّ يبطل عمل الصالح بلغوه، فإن فعل أتبع ذلك بعمل صالح.

المصدر: موقع دائرة الافتاء الاردنية


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى