دمى الكروشيه الأردنية الجميلة تجوب العالم
22 الإعلامي- بشرى نيروخ- تطوف دمى الكروشيه الأردنية التي تصنعها الصيدلانية سناء أبو مطاوع، أرجاء المعمورة، فتحط رحالها في قارات العالم، مستلهمة تجارب بلدان عدة سبقت إلى اجتراح هذا الفن الذي تتباين الآراء حول منحدره وجذره القومي، بين كونه عربيا نجديا أو أوروبيا أم يابانيا، فيما الثابت أنه فن إنساني مخصص للطفولة التي لا تأبه بالفوارق والانتماءات.
فما إن تركت سناء عملها بعد مرور عشر سنوات في الصيدلية، وكان ذلك في العام 2019، إلا وجدت نفسها قد أمضت عاما كاملا في البيت، ما دفعها للتفكير خارج الصندوق، ضمن مشروع إبداعي يدر عليها دخلا، فبحثت عبر الشبكة العنكبوتية تفاصيل ألهمتها إلى تصنيع الدمى.
وهي تتحدث بشغف عن هوايتها الفنية في صناعة الدمى، قالت سناء لوكالة الأنباء الأردنية (بترا): إن هذا الشغف قادها قبل عامين ونيف إلى احتراف صناعة الدمى، وهو ما تزامن مع جائحة كورونا التي وفرت فرصة لاستفزاز القدرات في ظل التعطل عن العمل، فانتجت 120 دمية جابت العالم، إذ نسجتها بيدي بناء على تفاصيل اختارتها سيدات وأطفال من توقيعهن لتهدى إلى أحبائهم الصغار، فيما أهديت إلى فتيات شابات في مناسبات مختلفة أفرحت قلوبهن.
وكانت أمنيتها حين أنشأت صفحتها على الفيسبوك (هديتنا لك فن وإبداع ) أن تصل إلى قلوب الأطفال، لصنع كل ما يفرح قلوبهم من خلال صناعة الدمى باستخدام الطريقة اليابانية (الأميجرومي) من خيوط القطن، فــ(الأمي) باليابانية تعني حياكة، أما (جرومي) فتعني دمى محشوة، حيث أن هذا الفن من الفنون الذي يختص بحياكة وصناعة الدمى والعرائس من الكروشيه، بحيث تكون محشوة لتعطي الشكل المجسم.
وقالت: لقد أسعفتني المواهب الدفينة وامتلاك مهارات بالكروشيه والإلمام الواسع بالألوان والرسم، فضلا عن حبي للدمى منذ أيام الطفولة؛ للإنطلاق بفن وإتقان في صناعة الدمى بالكروشيه، ذلك أن هذا الفن يعطي الحماس والتفاؤل ويمد بالطاقة الإيجابية والإبداع والإقبال على الحياة بروح جميلة، ويؤدي إلى تحسين الحالة النفسية وتخفيف الاكتئاب والتوتر كما هو متعارف عليه في العديد من الأبحاث والدراسات.
وأشارت إلى أنها تسعى لاستخدام خيوط قطنية، بنسج جسم الدمية وثيابها وتطريز العينين وصنع وحياكة شعر رأس الدمية بالصنارة، مفضلة إياها على استخدام الشعر الحراري الاصطناعي، بحيث تبقى الدمية أمد الدهر بخاماتها الطبيعية آمنة صحية بعيدة عن كل ما يسبب الحساسية.
وعن آليات العمل، سعت إلى استخدم الألوان قدر الإمكان التي تزيد في أغلب الدمى عن عشرة ألوان، في محاولة أن تبقى الدمية ذات بهجة، وإن رأتها غير ذلك عاودت التعديل عليها لتبقى الأجمل والأقرب لنفس الطفل، مبينة أنها لا تبيع لعبها إلا بعد أن يتأكد كل زبون من مواصفات اللعبة كما أرادها، بنفس التصاميم المختارة من قبل، مشيرة في هذا الصدد إلى أن كل واحدة منها تختلف في الشكل والتصميم، بحيث تكون مميزة قدر الإمكان.
وقالت: أقدم مشورتي لزبائني فأساعدهم على اختيارات الألوان واللبس الملائم للدمية حتى تكون في أبهى وأجمل صورة، لترى الطفلة دميتها بشعور عارم بالفرح، بحيث لا ترى ذلك في أية دمية أخرى.
واستكملت حديثها، أن ما يميز اللعب اليدوية عن الألعاب الجاهزة أنها تبقى لفترات أطول نوعا ما لدى الطفل عن الألعاب الجاهزة، وقد تقوم بإعداد فيديو بشكل مميز للشخص المهداة إليه بشكل تشويقي لرؤية اللعبة، التي عادة ما تلبث أن تضع اسما للدمية وفقا لاسم مقتنيها.
وتتباين أسعار الدمى وتختلف لديها وفقا لتفاصيل الدمية الواحدة، خصوصا أن بعض الدمى يستغرق وقتا يصل إلى خمسة أيام أو أسبوع ، فضلا عن أسعار الخيوط والخامات، وعدد الألوان التي تحتويها الدمية، وتصميم شعرها بحسب الطول وطريقة النسج.
وما يلفت نظرها حنين بعض الكبار إلى الماضي، حيث ذكريات الرسوم الكرتونية المتحركة آنذاك، فأصنع تلك الألعاب بكامل الدقة والتفاصيل، بيد أنه يطلب مني إعداد وصناعة دمية شبيهة بالشخص المهداة، معتبرة أن للهدية آثارا معنوية عميقة وجميلة، حيث يجد الشخص المهداة نفسه بالدمية فيلازمها لكثير من الوقت.
وبحب وشغف تصنع الدمى، وما يلبث أن يشتري منها الزبائن إلا أن يعودوا مجددا لها بطلب عرائس ودمى أخرى، وقد مكنها من ذلك مهارات البيع التي اكتسبتها في مجال اختصاصها، وتعمقت لديها آليات وأساليب متنوعة للتعامل مع الفئات العمرية المختلفة، وإرضاء الزبون وإقناعه بالمنتج، بما يتمكن من الرجوع إليها مرة أخرى، فتكون مصدر الفائدة له وللجميع في أن يجد كل واحد ضالته من المنتجات التي تبيعها، وفقا لسناء.
الدمية الأردنية تجوب العالمالمهندسة رشا الدرباشي رأت أن دمى سناء مصنوعة وفقا للطلب بأدق التفاصيل، وقالت: على الرغم من شرائي منها ثماني دمى، إلا أن لكل واحدة منها لها قيمة معنوية عالية، كونها مصنوعة يدويا باهتمام وإتقان لأدق التفاصيل.
أما آمنة فاضل، وهي مساعدة مديرة مدرسة حكومية، فوجدت في دمى سناء، الإبداع والابتكار في العديد من التفاصيل كالمفاصل والرموش والعيون والأصابع أيضا، بالإضافة إلى لمسة الروح الجميلة التي تضعها فيها.
وبينت أن دمى سناء تختلف كثيرا عن الدمى الأخرى التي شاهدتها في حياتها، فطلبت منها صنع دمية مستوحاة من إحدى الشخصيات الكرتونية لتعود بها الذكريات الطفولية مجددا كلما أمسكت بدميتها، مبينة أنها ستكرر التجربة بإهداء مثلها للآخرين في مناسبات مختلفة.
وفضلت تمارا القطاونة، وهي موظفة في الموارد البشرية بالقطاع الخاص، إهداء أبنائها الأربعة هذه الدمى كهدية تذكارية، واصفة إياها بأنها جسدت المشاعر، فهي تبث الحنان وتشعرهم بالحب والأمان والأمل والعزيمة والإصرار نحو النجاح وهم في غربتهم لاستكمال دراستهم.
معلمة التربية الفنية حنين عيسى، وجدت في هذه الدمى، بعدا وتأثيرا آخر على ابنتها ذات السنوات الخمس، إذ سمتها باسم محبب لقلبها (سالي) ترافقها أينما كانت، كما تقوم بتخبئتها في الخزانة؛ خشية عليها، كما صنعت لها عددا من الاكسسوارات والفساتين، لتشعر معها بأنها بمثابة الأخت الصغيرة لها.
الدمية وسيلة لتشخيص الاضطرابات النفسيةمديرة مركز الملكة رانيا العبد الله للدراسات التربوية والنفسية في جامعة مؤتة الدكتورة وجدان الكركي، اعتبرت أن اللعب بالدمى وسيط تربوي يعمل بدرجة كبيرة على تنمية قدرات الطفل المعرفية واللغوية والاجتماعية والثقافية، ويسهم في تشكيل شخصية الطفل بأبعادها المختلفة، كما يساعد على تشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية.
وأشارت إلى أن الدراسات التربوية أظهرت أن الأطفال كثيرا ما يخبرون بما يفكرون وبما يشعرون به من خلال اللعب التمثيلي الحر باستخدام الدمى، ما يعزز التطور اللغوي والتواصل الاجتماعي، وينمي الخيال لدى الأطفال، وينعكس إيجابا على مرونة التفكير لديهم، خاصة إذا شكلت الدمى بناء على رغبة الطفل حيث يرتبط ذلك بشكل قوي بشخصية الطفل وتفكيره وقدراته المختلفة.
وأوضحت الكركي، أن الطفلة ترى نفسها في دميتها، لذلك من المهم أن تكون خصائص الدمية من حيث الشكل والملامح والثياب، قريبة من شكل وملامح وثقافة الطفلة؛ ما يعزز ثقة الطفلة بنفسها وتاريخ أمتها والحضارة التي تنتمي لها، ويرتبط ذلك إيجابيا بمفهوم الذات.
ويمثل اللعب بالدمى وسيلة لتشخيص الاضطرابات النفسية عند الأطفال وكذلك وسيلة لعلاجهم من خلال (السوسيودراما) حيث ينسب الطفل الأقوال والأفعال للدمية التي يلعب بها بشكل يكشف عن مخاوفه واهتماماته ورغباته ومكبوتاته، بحسب الكركي.
وبينت في هذا الصدد أن اللعب بالدمى قد يكشف عن جوانب الضعف التي يعاني منها الطفل، ما يسهم في وضع خطة علاجية لمعالجة أية مشكلات يعاني منها قبل أن تتفاقم وتصبح مشكلة خطيرة، تؤثر في حياته ومستقبله.
الإبداع يسهم في تحسين الحياةأما المستشارة الدولية في الإبداع والابتكار الدكتورة لانا المبيضين، فقالت: إن الإبداع يسهم في تحسين نوعية الحياة، لافتة إلى أنه يبقى في إطاره النظري ما لم يصار إلى تجسيده على أرض الواقع.
ولفتت المبيضين، وهي مدير عام شركة (ريثينكرز) للإبداع ورعاية الموهوبين، إلى أن مكننة التفكير والتدرب على تشغيل الذهن وشحذه من متطلبات العصر الجديد.
وأشارت في هذا السياق إلى أن واقعنا لن يتغير واقعنا إلا إذا استثمرنا في مواهب شبابنا فهم الحاضر والمستقبل، مبينة أن الحاجة تبرز لتعليم مهارات التفكير، لأنه يعد أداة فعالة لتحقيق الأهداف عن طريق توظيف المعارف والمهارات والخبرات التي يملكها الفرد توظيفا مثمرا.
(بترا)