حضارة القرون الوسطى
حسام العادلي
ظهر علم التاريخ كمادة منهجية معترف بها فى الغرب فى غضون القرن التاسع عشر، ولعله – علم التاريخ – ظهر كرد فعل غربى يفسر التاريخ ويقسّمه لصالح الواقع الاستعمارى الذى كان وقتها فى تمدده الأعظم، فكانت رؤيته تعبر عن: أن العالم القديم لا يعنى بأى شكل من الأشكال الحياة البدائية الأولى التى لم تعرف قيام المجتمعات الأولى مثل العصور الحجرية، إنما هو – العالم القديم – فترة التحولات والإنجازات الأولى فى تاريخ البشرية، فالعالم القديم إنما يشير إلى الزمن الممتد فى دول: مصر القديمة وفارس وبلاد ما بين النهرين واليونان والصين، وأخيرًا روما كمحطة أخيرة، تلك البقاع التى تكونت فيها الحضارات الإنسانية على مدار قرون.. وهو منطق مقبول، ولكن فى ذات الوقت يتجه علماء التاريخ – الغربيون ومن ورائهم الشرقيون! – إلى حساب نهاية تاريخ العالم القديم المتحضر وبداية العصر الوسيط المظلم بانهيار الدولة الرومانية اللاتينية الأصلية فى روما على يد المحاربين الجيرمان عام 476 م، ليبدأ بعدها العصر الوسيط بسقوط روما على يد الجيرمان وهو بداية عصور الظلام والاضمحلال فى أوروبا وما عُرف بـ«القرون الوسطى»، التى اتسمت بالضعف السياسى وانتشار الجهل والخرافة!.
الواقع أن هذه الرؤية أحادية وعنصرية، تدور حول فكرة واحدة هى أن «أوروبا مركز العالم»، فقد تم تصوير التاريخ للعالم بأسره على أنه مضمحل بعدما زالت روما وتوارت الحضارة الهيلينية، واعتبر الأوروبيون – أصحاب علم التاريخ- أن نهوض العالم واضمحلاله ينبع من القارة العجوز، ويدور معها وجودا وعدما، وصار مصطلح القرون الوسطى سيئ السمعة ولا يرادف فى أذهان البشرية إلا الهمجية والتدهور الحضارى، بل صار مضربا للمثل فى البربرية واستباحة المال والنفس.. بينما لو كان هناك تفسير آخر للتاريخ نابع من الشرق يظهر فى شكل علم يقسم ويفسر بشكل محايد، لكانت للعصور الوسطى النصيب الأوفر من الرمز للحضارة والتقدم والازدهار وما قامت عليه حضارة الإنسان فى تلك الفترة المفصلية من حياة الإنسان، فالتأريخ أو علم التاريخ اعتبر أن العالم هو أوروبا، وغض الشرق النظر عن الواقع الذى استمر عشرة قرون على الأقل لم يقف فيها الإنسان محلك سر إنما كان يبنى ويحرز تقدما بشريا متسارعا فى هذه القرون الوسطى، ولكنه – الإنسان- لم يكن أوروبيًا غربيًا، بل كان عربيًا وأندلسيًا وفارسيًا.
من أصول العلوم الاجتماعية: الشمول والتجرد والنظرة الفوقية غير الأحادية، وهو ما لا نجده فى علم التأريخ الذى اعتقد شموليته فانحصر فى أوروبا وصار سياسيا إمبرياليا، يجب أن تكون النظرة على تاريخ الإنسان عالمية وشاملة وفوقية.
أعتقد أن على العلماء والمفكرين العرب والشرقيين بصفة عامة توخى الحذر فى دلالات المصطلحات، وتفسيرها بشكلها المنزوع منه السياسة والتوجيه الفكرى الموجه، وتدارك أخطاء وقع فيها الكثيرون وعدم ترديدها بدلالاتها كما هى، فالقرون الوسطى هى قرون تحضُّر شرقية بامتياز، وقرون اضمحلال وجهل أوروبية بكل جدارة.
المصري اليوم