22 الاعلامي – بقلم العين عبدالحكيم محمود الهندي
في استمرار للسردية الأردنية، قولاً وفعلاً، حمل جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ملف فلسطين وغزة، مرة أخرى، إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي يزورها لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لكن أجواء الزيارة هذه المرة تختلف عن سابقاتها، فجلالته حط بأميركا في الوقت الذي أصبحت فيه منطقة الشرق الأوسط برمتها، على فوهة بارود، فغير أن العدوان الإسرائيلي على غزة ما زال مستعراً، بل وزاد “سُعاراً”، فإن العدوان هذه المرة امتد إلى الشقيقة لبنان التي بات يرتقي فيها الشهداء تباعاً، هذا فضلاً عن ازدياد حدة الاعتداءات، سواء من جيش الاحتلال، أو من قِبَل المستوطنين على أهلنا في الضفة الغربية.
وعليه، وبسبب ارتفاع مستوى العنف، وازدياد سخونة أجواء المنطقة، فقد ارتفعت لهجة التحذير الملكية هذه المرة إلى المستويات الأعلى، فجلالته، وخلال لقائه بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، حذر من عواقب التصعيد الخطير في المنطقة، مؤكداً على ضرورة التوصل لوقف فوري ودائم لإطلاق النار بغزة، كخطوة أولى لوقف التصعيد.
وفي الوقت عينه، فقد لفت جلالة الملك إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية بالضفة الغربية يجب أن تتوقف، بما في ذلك هجمات المستوطنين المتطرفين ضد الفلسطينيين، والانتهاكات على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
وفي شأن فلسطين أيضاً، ولأن غزة دائماً هي العنوان، فقد التقى جلالته في نيويورك، رؤساء وممثلي عدد من المنظمات غير الحكومية المعنية بالاستجابة الإنسانية في غزة، وأكد على ضرورة تكثيف الجهود لدعوة المجتمع الدولي للضغط باتجاه إزالة جميع العوائق أمام دخول وإيصال المساعدات إلى القطاع.
ولعل المتابع للزيارة الملكية، يلمس حجم الضغط الملكي على كل مؤسسات القرار سواء الأمريكية منها أو الدولية، لحثهم على إيجاد سبيل لوقف إطلاق النار في غزة، فهذا، وحسب رؤية جلالة الملك “الواقعية”، هو بداية الحل لكل مشاكل المنطقة التي دخلت في سراديب مظلمة لا تحمد عقباها، جراء التعنت الإسرائيلي الذي ضرب بعرض الحائط كل اقتراح ممكن لوقف الحرب، وحقن دماء الشباب والأطفال والشيوخ والنساء في القطاع المكلوم، فالحرب المدمرة قد شارفت على دخول عامها الثاني دون أن يرف لقادة الاحتلال المتطرفين، جفنٌ رغم كل تلك الدماء، وحجم كل ذلك الدمار.
وفي اللحظة التي دخلت معها أميركا أجواء انتخابات الرئاسة، وانشغال الناس ومؤسسات أميركا، بها، فقد أراد الملك أن يطلق صرخة مدوية أسمعت كل من هناك، فالهدف الملكي يرنو إلى إيقاظ الضمائر التي “غفت” دون أدنى شعور بالإنسانية التي اهتزت في مفاهيمهم بعد أن عَرّت دماء أطفال غزة، حقيقتها وكشفت واقعها.
العالم الآن أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يأخذ بتحذير الملك عبدالله الثاني ويدفع دولة الاحتلال إلى وقف النار والعودة مجدداً إلى طاولة السلام والمضي نحو تحقيق حلم الدولة للفلسطينيين، وإما أن يسارع – أي العالم – قريباً إلى إطفاء حريق المنطقة، ولكن بعد فوات الأوان، فالملك عبدالله الثاني، وكزعيم عربي، معروف عالمياً بحنكته واعتداله وعمق فهمه لمنطقة الشرق الأوسط، وتحذيراته تلك لم تأتِ من فراغ، بل يجب التوقف عندها وقراءتها بدقة وعمق.