22 الاعلامي – إبراهيم السيوف
عندما يعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2024 فإن عودته ليست مجرد استئناف لولاية سياسية بل هي دخول جديد إلى مرحلة أكثر خطورة حيث تصطف الأزمات العربية على أبواب العواصف ويظل الأمل في النهوض محاطًا بالظلال الكثيفة. لقد كانت سياسات ترامب في فترة حكمه الأولى معول هدمٍ ليس فقط للقضية الفلسطينية بل لكافة القضايا العربية التي تئن تحت وطأة التدخلات الخارجية والصراعات التي لا تنتهي. ومع عودته اليوم يطل الشرق الأوسط على واقعٍ أكثر قسوة حيث تُكتب فصول جديدة من الاستنزاف والتدمير دون أن يلوح في الأفق حلٌ قريب.
في فلسطين كانت خطوات ترامب الأولى بمثابة إعلان حرب على الوجود العربي في قلب الشرق الأوسط إذ حوّل القدس إلى “عاصمة” إسرائيلية بقرارٍ منفرد وتبنى رؤية سياسية لا تعترف بحقوق الفلسطينيين في الأرض والوطن. وعلى الرغم من الجراح التي استمرت لتسعة عقود قدّم ترامب صفقةً مزعومة لسلامٍ مشوّه هدفها تجريد الشعب الفلسطيني من حقوقه التاريخية في وطنه. واليوم وبعد فوزه بولاية جديدة لا يظهر من جديده إلا المزيد من الضغط على العرب ليطبعوا علاقاتهم مع إسرائيل ويغرقوا فلسطين في مزيد من العزلة. هذه السياسة الجائرة لا تزيد الفلسطينيين إلا تشردًا ويجعلونهم مجرد موضوع على طاولة صفقاتٍ لا تدرّ عليهم سوى الهزيمة.
أما في اليمن فلا يزال الشعب اليمني في قبضة حربٍ مدمرة لا أفق لها. منذ سنواتٍ والعالم يتفرج على مذبحةٍ جماعية تُنفذ على مرأى ومسمع الجميع والضمير العربي والعالمي في غفلةٍ عن أوجاع هذا الشعب. كان دعم ترامب للتحالف العربي جزءًا من إستراتيجية تهدف إلى إبقاء المنطقة في حالة من الصراع المستمر فبعض الدول العربية تمول الحرب والبعض الآخر يغرق في رمالها. اليمن الذي كان يحلم بمستقبلٍ أفضل يتحول اليوم إلى أنقاض وأرواح مفقودة فيما يظل المستفيد الوحيد من هذا الصراع هو الآلة العسكرية والقوى التي تدير الحروب بالوكالة.
وفي ليبيا تُكتب فصول جديدة من الخراب والتقسيم فلا تزال الدولة التي كانت معقلاً للأمل العربي في البحر الأبيض المتوسط تعيش في حالةٍ من الفوضى المستمرة. مع كل تدخلٍ خارجي يزداد الوضع تأزمًا ويظل الشعب الليبي هو الضحية. سياسات ترامب تجاه الأزمة الليبية لم تكن أكثر من تعميقٍ للانقسام حيث أصبح النزاع الليبي ساحةً مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية في ظل غياب رؤية حقيقية للسلام وإعادة بناء الدولة.
أما العراق الذي مزقته الحروب منذ الاحتلال الأمريكي فلا يزال يرزح تحت وطأة الانقسام السياسي والطائفي. شعبه يعاني من تداعيات سياساتٍ خارجية غير نزيهة تصادر حقوقه وتخدم مصالح القوى الكبرى على حساب استقراره. بينما لبنان الذي غرق في أعمق أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث يدفع الثمن الأكبر لتلك السياسات التي لا تكترث إلا بمصالح الخارج. بين فقرٍ مدقع وسرقاتٍ للثروات وعجزٍ تام عن إصلاح الأوضاع يبدو لبنان وكأنه في طريقٍ لا عودة منه في ظل تداخل القوى المحلية والإقليمية والدولية التي لا ترى إلا مصالحها الضيقة.
عندما يعود ترامب إلى سدة الحكم فإنه يعيد فتح أبواب جهنم للمنطقة العربية التي لا تزال تقف على حافة الهاوية. سياسة ترامب لن تكون مجرد استئناف لما هو قائم بل هي تعميقٌ لمعضلاتٍ تتعلق بالشعب العربي في كل مكان. مع كل خطوة جديدة يزداد وضع العرب سوءًا ويزداد تمزقهم بين المصالح الكبرى التي لا تبالي بمستقبلهم. في هذا السياق تبدو الشعوب العربية وكأنها جزء من لعبةٍ جيوسياسية لا ناقة لها فيها ولا جمل تزداد قسوةً يوماً بعد يوم وتظل فيها الأرواح تذوب في صمتٍ رهيب.
ما يحتاجه العرب اليوم هو أكثر من مجرد حلولٍ مؤقتة تندثر مع مرور الوقت بل ما يحتاجونه هو تحوّل جذري في التعامل مع القضايا التي تحدد مصيرهم بعيدًا عن التلاعب والمساومات التي أثبتت فشلها على مدار عقود. فالمنطقة بحاجة إلى كسر دوامة الاستغلال والمصالح الخارجية وإعادة بناء الأمن والكرامة على أسسٍ من العدالة والمساواة وليس على أنقاض صفقاتٍ سياسية تقتل ما تبقى من حلم عربي في العودة إلى النهوض.