22 الاعلامي – بقلم أسيل الرقيدي
طالبة حقوق وباحثه في المجال القانوني
في عصرنا الرقمي المتسارع , أصبح الفضاء السيبراني ساحة مركزية للتفاعل والتبادل المعلوماتي , حيث يشمل جميع الشبكات الحاسوبية وأنظمة المعلومات التي تدير وتدعم تدفق البيانات على مستوى العالم.
يعرف الفضاء السيبراني بأنه البيئة الافتراضية التي تتيح تبادل المعلومات عبر الأنترنت وتؤثر في جميع جوانب الحياة اليومية , من الاتصالات والتجارة الى الأمن القومي .
تتسارع التطورات التكنولوجي ة بشكل متواصل مما يوسع نطاق الفضاء السيبراني ويزيد من تعقيد التحديات القانونية والأمنية المرتبطة به .مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا , تبرز أهمية فهم الفضاء السيبراني بشكل دقيق لا سيما في سياق القانون الدولي ان التحديات الرقمية التي يواجها الفضاء السيبراني مثل الهجمات الرقمية تتطلب إعادة تقييم وتطوير الأطر القانونية الحالية , لمواكبة الابتكارات ولحماية المعلومات وا لحقوق الرقمية والأمن العالمي
أولا : تطور الهجمات الرقمية وانواعها :
في العقدين الأخيرين , شهدت الهجمات الرقمية تطورا ملحوظا يعكس زيادة التهديدات التي تواجه الأفراد والمؤسسات على حد سواء , لفهم هذا التطور بعمق يمكن تقسيمه لعدة مراحل:
البداية : الهجمات البدائية 1990 -2000
في السنوات الأولى من ظهور الأنترنت , كانت الهجمات الرقمية بشكل أساسي بسيطة وعشوائية . تركزت في
الغالب على تعطيل الأنظمة او تخريب البيانات . كان معظمها يتم بواسطة الهواة “الهاكرز” الذين يسعون لإثبات قدراتهم التقنية , مثل الفيروسات البدائية والبرامج الضارة التي كانت تستخدم لتدمير الملفات او إظهار رسائل غير مرغوب فيها
لمرحلة الثانية : ظهور البرمجيات الخبيثة المستهدفة 2000-2010
مع مرور الوقت ,بدأت الهجمات تتطور لتصبح اكثر استهدافا وتعقيدا , أدخلت تقنيات جديدة مثل الفيروسات المتقدمة التي تستهدف نقاط ضعف محددة في الأنظمة . في هذه المرحلة بدأت الهجمات تتسم بطابع اكبر من الاحترافية والتخطيط , مما زاد من صعوبة اكتشافها ومواجهتها
. المرحلة الثالثة : الهجمات الجماعية والتكتيكية : 2010-2015
مع تقدم التكنولوجيا , أصبح من الممكن تنفيذ هجمات على نطاق أوسع وبأهداف محددة . شهدت هذه الفترة ظهور الهجمات الموزعة (DDoS)حيث يتم أرسال كميات هائلة من البيانات الى الأنظمة المستهدفة لشلها
كما بدأت تظهر هجمات التصيد الاحتيالي المعقدة التي تستهدف خداع الأفراد للكشف عن المعلومات الحساسة.
المرحلة الرابعة : الهجمات السيبرانية المتقدمة 2015 2020 في العقد الأخير اصبح لدينا الهجمات السيبرانية المتقدمة والمستهدفة بدقة . تستخدم تقنيات متقدمة مثل البرمجيات الخبيثة والمعقدة وهجمات الشبكات العميقة لتحقيق أهداف محددة , تشمل هذه الهجمات استخدام برمجيات تجسس لجمع معلومات حساسة , والهجمات على البنية التحتية الحيوية مثل أنظمة الطاقة , أصبحت ا لهجمات اكثر دقة وضوحا , مما يجعلها صعبة الكشف والرد المرحلة الحالية : الحروب السيبرانية والأمن القومي 2020الى وقتنا الحالي
في الوقت الحالي , تطورت الهجمات الرقمية إلى ما يمكن تسميته بالحروب السيبرانية , حيث تستخدم الهجمات الرقمية كأداة للضغط السياسي والاقتصادي بين الدول.
يتم تنفيذ الهجمات بواسطة دول أو مجموعات منظمة ذات أهداف استراتيجية , مما يعكس أهمية الفضاء السيبراني كجزء من الأمن القومي . تشمل هذه الهجمات اختراق أنظمة الحكومات والمؤسسات الكبرى , مما يشير الى مستوى عال من التخطيط والتمويل
تأتي هذه الأنواع المختلفة من الهجمات المختلفة لتسلط الضوء على ضرورة تعزيز إستراتيجي ات الدفاع السيبراني وتحديث القوانين الدولية لمواكبة هذه التهديدات المتطورة
ثانيا : دور القانون الدولي في تنظيم الفضاء السيبراني
في الوقت الراهن, يواجه تنظيم الفضاء السيبراني في أطار القانون الدولي تحديات معقدة تستوجب إعادة تقييم شاملة . رغم إدراك المجتمع الدو لي لأهمية صياغة قواعد قانونية ملائمة لهذا الفضاء المتنامي , ألا أن التقدم في هذا المجال لا يزال بطيئا وغير كاف.
ويعود ذلك إلى طبيعة الفضاء السيبراني الفريدة , الذي يتميز بالعالمية والتعقيد التقني , مما يجعله مختلفا جذريا عن المجالات الأخرى التي ينظمها القانون الدولي
حتى الان , لا يوجد أطار قانوني دولي شامل يعالج جميع جوانب ا لهجمات الرقمية والأمن السيبراني بشكل متكامل . على الرغم من تطبيق بعض ا لقوانين والمعاهدات الد ولية مثل ميثاق الأمم المتحدة , والقانون الدولي الإنساني , فأنها غالبا ما تعاني من نقص التحديثات الضرورية لمواكبة التهديدات الجديدة والمتطورة . معظم الاتفاقيات السيبرانية الحالية , مثل اتفاقية بودابست لعام 2011 حول الجرائم السيبرانية لا تزال غير كافيه للتصدي للتطورات التقنية والهجمات الرقمية المعقدة التي نشهدها اليوم
هذا الوضع القانوني المتفاوت أدى الى تباين كبير في مستوى الحماية والتنظيم الدولي , حيث تعتمد الدول على تفسيراتها الفردية للقوانين الدولية , أو تضع تشريعات وطنية خاصة بها , إضافة الى ذلك يوجد تفاوت واضح في استعداد الدول للتعاون في مجال الامن السيبراني وتبادل المعلومات المتعلقة بالهجمات , مما يضعف الجهود الدولية لتوفير حماية جماعية فعالة.
كما أن القانون الدولي الحالي يفتقر الى آليات أنفاذ فعالة تضمن محاسبة الجهات المسؤولة عن الهجمات الرقمية
, وتعد مسألة تحديد مصدر الهجمات وتأكيد المسؤولية القانونية من أكبر التحديات التي تواجه الجهود الدولية في ظل هذه التحديات , تظهر ضرورة م لحة لتطوير إطار قانوني دولي أكثر شمولية ومرونة , قادر على التكيف مع التطورات التقنية والسياسية المستمرة في الفضاء السيبراني , ومعالجة الفرص والتحديات التي يفرضها هذا المجال المتغير باستمرار الهجمات الرقمية وتداعيتها على الأمن الدولي
في عصر التكنولوجيا الرقمية , أصبح الفضاء السيبراني ساحة رئيسية للصراع , حيث باتت الهجمات الرقمية تشكل تهديدا حقيقا للأمن الدولي . لا تقتصر هذه الهجمات على الاضرار المالية او التكنولوجية , بل تمتد الى زعزعة استقرار الدول والمؤسسات الحيوية , مما يؤثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي العالمي.
تطورت طبيعة الصراعات المعاصرة لتشمل الحروب السيبرانية , والتي تمثل تحديات جديدة لم تكن موجودة في النزاعات التقليدية . فالهجمات على الأنظمة الرقمية للبنى التحتية , مثل شبكات الكهرباء والمياه , هذه الهجمات تحمل عواقب وخيمة قد تعيد تشكيل مفاهيم القوة والسيادة بين الدول.
يتطلب هذا التحول الاستراتيجي في ساحة الصراع اهتماما دوليا عاجلا , حيث أصبح من الضروري النظر في تأثير الهجمات الرقمية على الأمن الدولي بشكل جاد وممنهج . وتطوير سياسات امنية جديدة تتماشى مع هذه التحديات.
وفي ظل غياب إطار قانوني دولي متين ينظم هذا النوع من النزاعات . من هنا , يتزايد الضغط على المجتمع الدولي لتعزيز التعاون ووضع استراتيجيات موحدة لحماية الدول من هذه التهديدات الرقمية المتنامية , وهو ما يستدعي النظر في السبل التي يمكن من خلالها تحديث وتطوير القانون الدولي بما يتناسب مع الواقع السيبراني الجديد.
أولا: تأثير الهجمات السيبرانية على الشركات الكبر ى و على الامن الوطني وعواقبها على الامن الدولي
تعد الهجمات السيبرانية تهديدا رئيسيا للشركات الكبرى الذي يمتد للأمن الوطني والدولي , حيث أن الشركات تشكل جزأ لا يتجزأ من البنية الاقتصادية للدول , وتعتمد الحكومات عليها في إدارة قطاعات حساسة مثل الطاقة , المالية, والاتصالات.
عندما تتعرض هذه الشركات لهجمات سيبرانية تؤدي لتعطيل عملياتها أو سرقة بياناتها , فأن ذلك ينعكس بشكل مباشر على استقرار الاقتصاد والوطني , على سبيل المثال , الهجمات على القطاع المالي قد تؤدي الى شلل النظام الاقتصادي , وتضعف الثقة في الأسواق مما ينعكس بدوره على الأمن الوطني
علاوة على ذلك , فأن هذه الأضرار تمتد الى مستوى دولي , حيث تعتمد الدول على التعاون الدولي وسلاسل التوريد العابرة للحدود و أي تهديد او تضرر يلحق بشركة كبرى ذات ارتباطات دولية قد يؤثر على دول أخرى , مما يؤدي الى زعزعة الاستقرار على نطاق أوسع .
هذا الارتباط الوثيق بين أمن الشركات الكبرى والأمن والدولي يظهر أهمية معالجة الهجمات السيبرانية كقضية أمنية متعددة الأبعاد
للحد من تأثير الهجمات السيبرانية على الشركات وتقليل الضرر الوطني والدولي , يجب على الدول والشركات اتخاذ
خطوات استباقية لتعزيز الأمن السيبراني . أولا , يمكن تعزيز التعاون بين القطاعيين العام والخاص في تطوير استراتيجيات فعالة للتصدي لهذه التهديدات . والحكومات يجب ان تدعم الشركات في تحسين أنظمتها الدفاعية من خلال وضع معايير وضوابط ملزمة للأمن السيبراني. ثانيا , يمكن تقليل اعتماد الدول على شبكات رقمية حساسة , مما يقلل من احتمالية تأثير الهجمات على البنى التحتية الحيوية.
في المقابل , يحتاج المجتمع الدولي إلى تطوير إطار قانوني دولي ينظم الحروب السيبرانية ويفرض عقوبات رادعة على الجهات التي تشن هذه الهجمات.
هذا سيسهم في تقليل حجم الخسائر ويحد من تكرار الهجمات في المستقبل , ويجب الاستثمار في التوعية والتدريب المستمر للعاملين في الشركات على التعامل مع التهديدات السيبرانية وتطوير نظم الحماية الخاصة بهم
ثانيا: الابعاد القانونية للفضاء السيبراني ما بين السيادة والحدود الرقمية للدول
في العالم التقليدي , كانت سيادة الدول واضحة جدا ؛ كل دولة لها حدود جغرافية تمارس داخلها سلطتها وقوانينها.
لكن مع تطور الأنترنت والفضاء السيبراني , أصبحت الحدود غير مرئية حيث يمكن للأفراد والشركات والحكومات القيام بأنشطة رقمية عابرة للدول دون المرور بالحدود التقليدية.
هذا يطرح سؤالا مهما : كيف يمكن للدول فرض سيادتها على الفضاء السيبراني داخل حدودها ؟ بعض الدول مثل الصين وروسيا تحاول التحكم بشكل كامل في الإنترنت داخل أراضيها , فتفرض قيودا على الوصول للمواقع أو حتى تمنع بعض الخدمات الرقمية لكن في المقابل , هناك دول تعتمد على سياسات اكثر انفتاحا مثل الولايات المتحدة ,حيث يكون التحكم في الانترنت اقل
إلى جانب ذلك تأتي مشكلة الهجمات السيبرانية التي تأتي من دولة ما وتستهدف بنية تحتية أو مؤسسات في دولة أخرى , مما يخلق تحديات جديدة تتعلق بالحدود الرقمية وكيفية التعامل معها قانونيا.
اذا كانت الدول تحاول فرض سيادتها على الانترنت داخل حدودها , فماذا يحدث عندما تتجاوز هذه الأنشطة الحدود وتؤثر على دول أخرى ؟ هنا تدخل مسألة التدخل الرقمي : الهجمات السيبرانية التي تستهدف دول أخرى أو تتدخل في الشبكات الدولية تمثل تهديدا جديدا يحتاج الى تنظيم قانوني دولي.
القانون الدولي يواجه تحدي في تحديد حدود هذا التدخل , وما إذا كان يحق للدول الرد على الهجمات الرقمية كما ترد على الهجمات العسكرية التقليدية
هذا يفتح باب لمناقشة , كيف يمكن للقانون الدولي أن يضع قواعد جديدة لتنظيم هذا التدخل السيبراني بين الدول وضمان سيادة الدول الرقمية دون التعدي على حقوق الدول الأخرى.
القانون الدولي والسيادة الرقمية
تعد السيادة مبدأ أساسي في القانون الدولي , وهو يعرف حق الدول في ممارسة السلطة الحصرية داخل حدودها.
ومع ذلك , فأن تطور التكنولوجيا والأنترنت أوجد نوعا جديدا من ” المجال السيادي ” , وهو الفضاء السيبراني.
يثير هذا الأمر أسئلة حول كيفية تطبيق مبادئ السيادة التقليدية في هذا الفضاء , خاصة في ظل عدم وجود حدود فعليه يمكن تحديدها كما هو الحال في العالم المادي.