مقالات

حطاب تكتب : حرائق كاليفورنيا : قراءة علمية وأخلاقية

22 الاعلامي – بقلم الدكتورة جمانة حطاب

يشهد العالم العديد من الكوارث التي تدفع البعض إلى البحث عن تفسيرات تُحمّل الطبيعة معاني أبعد مما تظهره الوقائع. من ذلك الربط بين حرائق كاليفورنيا الأخيرة وما تعرضت له غزة من مآسي خلال الحرب الأخيرة، حيث يرى البعض في هذه الحرائق عقابًا إلهيًا. لكن هذه الفرضية- بعيدًا عن كونها علمية أو عقلانية أو عاطفية – تتناقض مع القيم الأخلاقية والدينية التي تحث على فهم أكثر عدلًا وحكمة للعالم.

من المعروف أن حرائق كاليفورنيا ليست ظاهرة جديدة؛ وهي نتيجة حتمية لعوامل بيئية واضحة، من بينها الجفاف المزمن الذي تعاني منه المنطقة، وارتفاع درجات الحرارة الناتج عن تغير المناخ، مما يزيد من احتمالية نشوب الحرائق وانتشارها. ويضاف إلى ذلك؛ الإهمال البشري الذي قد يتسبب بشكل مباشر في إشعال الحرائق أو تفاقمها.

أما من الناحية الدينية، فنجد أن الإسلام يرفض فكرة معاقبة جماعة بأكملها بسبب أفعال مجموعة صغيرة، وهو ما يؤكده قول الله تعالى “وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى” (الأنعام: 164). وبالتالي، فإن الاعتقاد بأن الكوارث الطبيعية هي نوع من الانتقام الإلهي يتناقض مع مفهوم العدالة الإلهية التي تقوم على الحكمة والرحمة. بل إن هذه النظرة السطحية قد تساهم في تشويه القيم الدينية والأخلاقية، وتؤدي إلى فهم خاطئ للكون وظواهره.

فبدلًا من استغلال هذه الكوارث كذريعة للوم أو التشفي، لمَ لا ننظر إليها كفرصة لتقوية أواصر التضامن الإنساني! فهذه الحرائق لا تميز بين الأشخاص بناءً على الدين أو الانتماءات السياسية، بل تطال الأبرياء جميعًا. وأشير هنا إلى وجود قرابة المليون مسلم في ولاية كاليفورنيا، وحوالي 97 مسجدًا في لوس أنجلوس وحدها. هنا تظهر أهمية القيم الإنسانية التي تدعونا إلى مساعدة المتضررين، والتخفيف من معاناتهم بدلًا من الانشغال بتفسيرات لا تمت إلى الواقع بصلة.

إن محاولة تفسير الكوارث الطبيعية كنوع من العقاب الإلهي لا تستند إلى أي أساس علمي أو ديني، بل تؤدي إلى مزيد من سوء الفهم للعالم من حولنا. والأولى أن نتعامل مع هذه الظواهر بدافع البحث عن حلول علمية وممارسات تعزز الرحمة والتعاون بين البشر كما يحض ديننا الحنيف.
من جهة أخرى؛ ربما علينا الحث على مناقشة الموضوع بأسلوب عقلاني ومنهجي، علّه يساهم في بناء وعي أعمق وأكثر إنصافًا، ويعزز من نشر ثقافة الحوار والفهم المشترك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى