دين و دنيا

أئمة الدولة السعودية الأولى حوّلوا الدرعية عاصمة ثقافية قبل ثلاثة قرون

سلّط كتاب الضوء على جانب مشرق من تاريخ الجزيرة العربية في عهد الدولة السعودية الأولى، ومهد الطريق أمام دراسات آتية تكمل المسيرة وتنير الطريق، التي تكشف عن النشاط الثقافي والارتقاء الحضاري الذي صاحَب قيام الدولة السعودية الأولى. ويلقي الكتاب الضوء على المكتبات في عهد الدولة السعودية الأولى، الممتدة من عام 1157هـ إلى عام 1234هـ (1744 – 1818)، ويبين العوامل التي كانت وراء انتقال ما ضمّته رفوف تلك المكتبات من مخطوطات وكتب قيّمة، ويعيد أبرز تلك العوامل إلى الحملات العسكرية العثمانية، التي أسهمت بشكل مباشر في نقل هذه المخطوطات.
وقف من وقفيات الإمام عبد العزيز بن سعود، ثاني أئمة الدولة السعودية الأولى، وهو كتاب معالم التنزيل للبغوي
وأبرز الكتاب، الذي أعدّه الباحث والمؤرخ حمد بن عبد الله العنقري، بصورة غير مسبوقة، تحقيقاً لوثيقة عثمانية خاصة، تعرض الكتب التي انتقلت من مكتبات الدولة السعودية الأولى إلى المدينة المنورة، ويمهّد بين يديها بدراسة تحليلية توضح المصادر التي جلبت منها تلك الكتب، التي من أبرزها الحجاز واليمن والعراق، ويبين الطرق التي يتم بها تداول تلك المخطوطات في عصر الدولة السعودية الأولى، ومن أهم تلك الطرق النسخ والاستكتاب والبيع والشراء والتوارث والإهداء والإعارة والوقف، كما يشير الكتاب إلى نوادر من المخطوطات المنقولة إلى مكتبة المدرسة المحمودية، مقسماً إياها إلى نسخ خزائنية ونسخ بخط مؤلفيها أو أحد العلماء، أو قرئت على أحد منهم، كما يعدد أنواع المكتبات في ذلك العهد موزعة بين مكتبات للأسر ومكتبات للأفراد.
غلاف كتاب بدت فيه صورة مخطوطة لأول المتون في المذهب الحنبلي تملكها الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود
وقدّم الكتاب مخطوط «شرح مختصر الخرقي» لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي، ويعد هذا الكتاب أول المتون في المذهب الحنبلي وأشهرها، وهذه المخطوطة من محفوظات مكتبة المدرسة المحمودية بمكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة، وتتميز بتملك الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود آل سعود، الإمام الثاني للدولة السعودية، وقد أمر – يرحمه الله – بوقفها، وتدوين وقفية عليها نصها «هذا الكتاب وقف على طلبة العلم، وقفه عبد العزيز بن سعود، وشهد على ذلك عبد الله بن الشيخ، وكتبه وشهد به حمد بن ناصر، وصلى الله على محمد وسلم». وقد نسخ المخطوط بحمص في 11 جمادي الآخرة سنة 900هـ، بخط حسن بن علي بن إبراهيم بن محمود والمردادي الحنبلي.
وقف للإمام عبد الله بن فيصل وهو كتاب الإيمان الكبير لشيخ الإسلام ابن تيمية
وفي تقديمه للكتاب، الذي أنجزته دارة الملك عبد العزيز، حمل عنوان «مكتبات الدولة السعودية الأولى المخطوطة – دراسة تحليلية لعوامل انتقالها واندثارها بعد سقوط الدرعية»، أوضح الدكتور فهد بن عبد الله السماري، أن الدولة السعودية الأولى قد قامت نتيجة عوامل تاريخية، من أبرزها حاجة البلاد والعباد إلى توحيد الصف ولمّ الشمل، ونشر الأمن وإقامة الشرع الإسلامي المطهر سالماً من خرافات المبتدعين، وطرد جحافل الجهل بقناديل المعارف، وإتاحة الفرصة لسكان هذه المنطقة، لينعموا بالعيش الرغيد الهانئ، بعد أن قاسوا ويلات التفرق، وعانوا من الأرق في أتون الجهل.
ووفقاً للباحث العنقري، فإن الدراسة تتناول مصير المخطوطات السعودية منذ المبايعة التاريخية بين الإمام محمد بن سعود 1139هـ – 1179 – 1765م والشيخ محمد بن عبد الوهاب، حتى سقوط مدينة الدرعية على يد قوات إبراهيم باشا في عام 1233هـ – 1818م، وتقف عند عام 1236هـ – 1823م لمعرفة آثار هذا السقوط في وضعية المخطوطات السعودية، حيث أدى هذا التدمير والهدم إلى فقدانها أو عدم معرفة مآل بعضها.
وسعت هذه الدراسة إلى البحث عن تلك المخطوطات والاطلاع على ما بقي منها والإفادة من النصوص المقتضبة، التي أشار إليها المؤرخون المعاصرون للحدث، كما ستعتمد على الوثائق العثمانية المتبادلة بين جميع مسؤولي الدولة العثمانية، وتحاول الخروج برؤية واضحة بمصير تلك المخطوطات، كما ترمي هذه الدراسة إلى محاولة إعادة بناء مكتبات الأفراد والأسر والمجموعات العامة، للوصول إلى رؤية جديدة للأوضاع العلمية والثقافية في الدولة السعودية الأولى.
وذكر الباحث العنقري، أن أول إشارة إلى نقل القوات العثمانية المخطوطات السعودية وإحراقها هي ما ذكره الرحالة البريطاني جورج سادليير، الذي زار الدرعية بعد هدمها، حيث ذكر أن قوات إبراهيم باشا نقلت مجموعة هائلة من الكتب إلى المدينة المنورة للاحتفال بالنصر والبهجة به، ثم تلاه المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر، عندما ذكر مصادرة حملة حسين بك، بعض مكتبة الشيخ عبد العزيز بن سليمان بن عبد الوهاب، وإحراق بعضها الآخر.
كما أشار العجلاني، إلى نقل قوات محمد علي باشا، ما وجدته في بيوت الأمراء والعلماء في نجد، أما آل إسماعيل فقد أورد رواية محلية عن الشيخ سليمان بن عبد الله الحماد، عن مصادرة إبراهيم باشا مكتبة جده الشيخ عبد الله بن سليمان بن حماد.
أما الدراسات التي اعتمدت على الوثائق العثمانية أو الوثائق المصرية، فيأتي على رأسها كتاب «رياض الكتبا وحياض الأدبا» لحيرت أفندي، فيه نصوص خطابات محمد علي باشا الرسمية، التي تبادلها هو وجميع المسؤولين العثمانيين، وقد ذكر حيرت أفندي، فيه نص خطاب محمد علي باشا إلى الصدر الأعظم، بخصوص وضع الكتب التي أحضرها إبراهيم باشا وحسين بك في مكتبة المدرسة المحمودية.
ولعل أول من أشار إلى أهمية هذا الكتاب وما يحتويه من وثائق تاريخية، هو الدكتور أبو الفتوح رضوان، حيث ذكر أن هذا الكتاب في منتهى القيمة التاريخية، ثم تلاه الدكتور سهيل صابان، عندما نشر تعريفاً بهذا الكتاب وما يحتويه من مراسلات متبادلة بين محمد علي باشا، وكبار المسؤولين العثمانيين عن أحداث شبه الجزيرة العربية، والإجراءات التي اتخذها والي مصر فيها، أما الدراسات التي أفادت من هذا المصدر المهم فهي قليلة جداً، ومن أهمها الدراسة المتميزة التي أعدها الدكتور أحمد عزت عبد الكريم، عن تاريخ التعليم في مصر في عهد محمد علي باشا.
ثم تلته مجموعة «الأوامر والمكاتبات الصادرة من عزيز مصر محمد علي، وهي ملخص لجميع المكاتبات والمراسلات الرسمية، التي تمت بين محمد علي باشا، وجميع المسؤولين في مصر وفي الدولة العثمانية»، وكانت هذه الملخصات معدة للاستعمال الرسمي فقط وجرى نشرها مؤخراً.
أما الدراسة التي أعدها الدكتور خليفة بن عبد الرحمن المسعود، والموسومة بـ«موقف القوى المناوئة من الدولة السعودية الثانية 1234 ـ 1282هـ – 1818 ـ 1866م دراسة تاريخية وثائقية»، وهي رسالة دكتوراه حصل عليها من جامعة أم القرى عام 1421هـ – 2000م، فقد تناولت موضوع نقل القوات العثمانية المخطوطات والمصاحف من نجد إلى المدينة المنورة، وقد اعتمد في ذلك على وثيقة عثمانية واحدة في هذا الموضوع.
ثم تأتي دراسة الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، وعنوانها «من وثائق الأرشيف المصري في تاريخ الخليج وشبه الجزيرة العربية»، وهي عبارة عن ملخص لوثائق مجموعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رحمه الله -، التي توجد صور منها في مراكز البحوث والدراسات والوثائق في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي مصورة من دار الوثائق القومية بالقاهرة، وتتعلق معظم هذه الوثائق بالدولة السعودية الأولى والثانية، والخليج العربي، وقد لخص عبد الغني وثيقتين من هذه المجموعة تتعلق الأولى بالخطاب الذي وجهه محمد علي باشا، إلى الصدر الأعظم في 13 جمادي الآخرة 1236هـ – 15 مارس (آذار) 1821م، بخصوص عودة ابنه إبراهيم باشا، بخمسمائة وواحد وتسعين مصحفاً وكتاباً، أما الثانية فتتضمن رسالة من وكيل والي مصر لدى الباب العالي في إسطنبول إلى محمد علي باشا، في 11 رجب 1238هـ – 23 يناير (كانون الثاني) 1823م، بخصوص صدور توجيه السلطان بحفظ الكتب السلطانية، ومن الملحوظ أن عبد الغني لم يباشر العمل نفسه، بل اعتمد على غيره، ولم يكن له من أثر سوى الإشراف؛ ولذا فقد أغفل وثائق عدة في هذه المجموعة لم يذكرها ضمن كتابه.
أما الدراسة التي أعدها الدكتور سهيل صابان، والموسومة بـ«نصوص عثمانية عن الأوضاع الثقافية في الحجاز (الأوقاف ـ المدارس ـ المكتبات)»، فقد نشر خلالها وثيقتين عثمانيتين، سبق للمسعود أن أشار إلى إحداهما في رسالة للدكتوراه، ويعد نشر صابان أول نشر لهذه الوثائق بنصوصها العثمانية، مع ترجمتها إلى اللغة العربية، ولكن سقط من الوثيقة الثانية قرابة أربعة أسطر ـ أثناء النشر ـ وهذا أخلّ بالمعنى العام للوثيقة، واعتماداً على ما نشره عبد الغني، من ملخصات للوثائق المصرية، فقد أعد قاسم بن خلف الرويس، مقالة بعنوان «البحث عن مصاحف وكتب الدرعية»، وعلى الرغم من عدم اطلاعه على نصوص الوثائق، فإن هذه المقالة تعد أول محاولة في نظر الباحث للإجابة عن تساؤلات الباحثين عن مصير تلك المخطوطات السعودية.
كما صدر أثناء إعداد هذا الكتاب من مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض كتاب بعنوان «مكتبة الإمام عبد الله بن سعود» وهذا الكتاب هو نشر للوثيقة محل الدراسة، وقد وقع الناشر في أخطاء كبيرة، لعل من أهمها عنوان الكتاب ونسبة جميع الكتب لمكتبة الإمام عبد الله بن سعود، والخطأ في رقم تصنيف الوثيقة بالأرشيف العثماني، وعدم التدقيق في قراءة الوثيقة ونقلها، وهذا أوجد فرقاً بين النص الأصلي والمفرغ، وذكر أن الوثيقة ترجمة من اللغة العثمانية، مع أن معظمها مكتوب باللغة العربية، والمطلع على هذا العمل، يرى أن فيه عجلة وتسرعاً في طبعه ونشره، ومن خلال دراستي لهذه الوثيقة واطلاعي المباشر على مخطوطاتها الباقية لم أجد فيها أي تملك للإمام عبد الله بن سعود، كما أن معظم أصحاب هذه الكتب هم من علماء نجد والأحساء.
وسلط الباحث العنقري، الضوء على المصادر المتنوعة في الدولة السعودية، موضحاً أنه من خلال المصادر التي عُنيت بتاريخ الدولة السعودية الأولى، نجد أخباراً عن المناطق التي جلبت منها المصادر إلى الدولة السعودية، ومنها الأخبار التي أوردها الشوكاني، ولطف الله جحاف، والجبرتي، وبوركهارت وغيرهم، عن حرص السعوديين على التزود من مناطق الحجاز واليمن والشام والعراق ومصر، لكن هذه المصادر لا تفصح إلا نادراً عن أسماء الكتب التي اقتناها السعوديون من هذه المناطق؛ ولهذا فإن مجموعتي إبراهيم باشا، وحسين بك، تفيدنا في معرفة المناطق التي جلبت منها هذه المخطوطات، وتساعدنا على استكمال معرفة التواصل الثقافي والاقتصادي بين الدولة السعودية الأولى والمناطق المجاورة لها.
وأوضحت الدراسة التي جاءت في كتاب من الحجم الكبير غطى 560 صفحة، أن الدولة السعودية الأولى بعد قيامها حتى سقوطها على يد قوات إبراهيم باشا في عام 1818م سعت إلى نشر العلم والتعليم والإسهام فيه والسعي في تعميمه على عامة الناس، وأسهم هذا في تنمية الحياة العلمية وزيادتها مقارنة بالفترة السابقة للدعوة؛ ولذا انتشرت المخطوطات ونسخها واستكتابها وبيعها وشراؤها في المنطقة بشكل كبير وملحوظ، كما أفادت الدولة من السفارات المرسلة من قبلها في جلب المخطوطات وشرائها إلى المنطقة، كما أسهم هذا التبادل العلمي بين الدرعية وصنعاء، وكان من نتيجة شراء المخطوطات من صنعاء وجلبها إلى الدرعية، وغيرها من المدن والقرى التابعة للدولة السعودية الأولى؛ ونتيجة لازدياد المخطوطات في المنطقة، فقد رأى علماء نجد بيع بعض المخطوطات المتوافرة لديهم في صنعاء عن طريق الرسل، الذين أرسلتهم الدولة السعودية الأولى إلى إمام اليمن، وقد كان ذلك سبباً من أسباب انتقال المخطوطات السعودية.
ولكن أثّر في هذه النهضة إرسال الدولة العثمانية حملاتها العسكرية لمواجهة الدولة السعودية، حيث أدى ذلك إلى سقوط الدرعية، وإلى حصول فراغ سياسي وعلمي تمثل بنقل أفراد من أسرة آل سعود وبعض علماء نجد وطلبة العلم إلى مصر، وقد أثر هذا النقل في مكتباتهم؛ إذ اشترى بعض التجار بقايا مكتبات آل سعود وبعض علماء نجد ونقلوها إلى خارج المنطقة، أو اشترى بعض علماء نجد مكتبات آل الشيخ الذين نقلتهم الدولة العثمانية إلى مصر، كما اضطر بعض علماء نجد إلى أخذ بعض بقايا مكتباتهم معهم عند نقلهم إلى مصر.
وقد أثرت الحروب العثمانية في المنطقة بشكل كبير؛ إذ أدت هذه الحملات إلى فقد مجموعة كبيرة من المخطوطات والكتب، وهذا الفقد كان له أسباب عدة، منها أثر الحروب في إتلاف المكتبات وتدميرها، إضافة إلى إحراق القوات العثمانية مجموعات من المخطوطات والمكتبات، منها مكتبة الشيخ عبد العزيز بن سليمان بن عبد الوهاب، وغيره من علماء الدعوة.
كما أسهمت هذه الحروب في مصادرة المخطوطات السعودية، ونقلها إلى المدينة المنورة، وقسمت إلى مجموعتين رئيستين، هما مجموعة إبراهيم باشا، ومجموعة حسين بك، ولم تكتف هذه القوات بما فعلت، بل نقل بعض أفرادها المخطوطات السعودية دون علم قادتهم وباعوها في أسواق المدينة المنورة.
وعلى الرغم مما جرى في المنطقة من تدمير وتهجير ومصادرة، فإن الملحوظ هو احتفاظ بعض الأسر العلمية بالمخطوطات وبقاؤها إلى اليوم، ولا تزال المكتبات العامة والخاصة تحتفظ بنماذج عدة لذلك، كما أن بعض العلماء نقل بمبادرة شخصية منه مكتبته الخاصة معه أثناء مغادرته المنطقة السكنية في مناطق أخرى، وأدى هذا إلى انتقال مجموعات عدة من المخطوطات إلى خارج المنطقة.
ولهذا؛ فإن السلطات العثمانية بعد محاصرتها الدولة السعودية الأولى، وتنظيم الحملات العسكرية ضدها تفاجأت بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، بحجم المخطوطات المتوافرة لدى السعوديين وكميتها؛ ولذا أصدرت أوامرها لقادة جيشها بجمع كل ما لدى السعوديين، وقد كان هذا ديدن كل حملة من الحملات العثمانية، التي أرسلت إلى المنطقة، حيث جمعت هذه القوات كل ما أمكن لها جمعه من المخطوطات، وما لم تتمكن من أخذه أحرقته قبيل مغادرتها؛ ولذا نقلت المخطوطات التي جمعت إلى محافظة المدينة المنورة، ووضعت في عهدة المسؤولين العثمانيين فيها، وبعد مراسلات عدة جرت بين محمد علي باشا والمسؤولين العثمانيين بإسطنبول، صدرت أوامر السلطان محمود الثاني بحفظها في مكتبة المدرسة، التي أنشأها بالمدينة المنورة، ويبدو أن فكرة تأسيسها لم تخطر في بال السلطات العثمانية، إلا بعد حصولها على هذه الكمية الوافرة من المخطوطات، وقد أدى هذا إلى إغناء مكتبة المدرسة المحمودية بمخطوطات عدة، يعد بعضها من أندر المخطوطات في العالم.
وحاولت الدراسة بقدر ما توافر لها من معلومات متنوعة الإجابة عن مصير المخطوطات السعودية في الوصول إلى عوامل وأسباب عدة لانتقال المخطوطات السعودية، وهي لا شك ليست كل الأسباب، وإنما هي محاولة لمعرفة هذه الأسباب، ويمكن من خلالها التوصل إلى نقطة مهمة، وهي أن المخطوطات والكتب لا تنشر إلا في بيئة مستقرة سياسياً وعلمياً واجتماعياً؛ ولذا فإن قيام الدولة السعودية الأولى كان سببا رئيسيا في انتشار المخطوطات وتداولها بشكل كبير، حتى وإن كانت هذه الكتب أو المخطوطات ذات اتجاه مخالف لاتجاه الدولة ومعتقدها، فقد وجدت ضمن وقفيات الإمام عبد العزيز بن محمد، كتب تصنّف على أنها مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة لدى المذاهب الأربعة جميعها، ولم يجد الإمام عبد العزيز حرجاً في ذلك، بل إن علماء الدعوة الإصلاحية نصّوا على أنهم ليسوا معنيين بالتفتيش على الكتب – ولا يؤيدون إتلافها أو إحراقها، وقد نص على ذلك بشكل واضح الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، في رسالته المشهورة، التي كتبها عندما دخل الإمام سعود بن عبد العزيز مكة المكرمة؛ ولهذا فقد تداول علماء الدعوة كتباً تخالف عقيدة أهل السنة والجماعة في قضايا الأسماء والصفات، أو تنتهج منهج بعض المذاهب المنحرفة، وهي دلالة على سعة أفق علماء الدعوة بعكس ما صوروا به.
وتشدد الدراسة على أن استكمال حلقات هذه السلسلة سيوضح الصورة الحقيقية للواقع العلمي والثقافي في الدولة السعودية الأولى، والدولة السعودية الثانية، وستبرز هذه الصورة بشكل يجلي الصورة التقليدية أو النمطية عن الأحوال العلمية والثقافية في الدولتين، ويبرز هذه الأحوال بشكل موثق من خلال الشواهد التاريخية المعتمدة بشكل رئيسي على الوثائق والمخطوطات.
المصدر : الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى