الفريق الطبيب يوسف القسوس يقرأ من دفاتر سيرته
يؤرخ الفريق الطبيب يوسف القسوس في كتابه “بين الجندية والطب: رحلة عمر.. ومسيرة وطن” لحقبة زمنية مهمّة في تاريخ النهضة الطبية التي شهدها الأردن بإمكاناته المتواضعة وموارده المحدودة، ممثّلة بحياته المهنية الرسمية الممتدّة بين عاميْ 1967 و1999، واستمراره في العطاء والعمل بعد تقاعده وحتى اليوم.
ولا تغيب عن الكتاب الذي صدر حديثاً، أبرز الأحداث السياسية والتحوّلات الاجتماعية والذكريات الإنسانية التي تقدّم شهادة صادقة ومؤثرة على سيرة ذاتية ومسيرة علمية لطبيب أراد لها أن تكوّن “صورة ناطقة لتاريخ جيل وحقبة مهمة في عمر الأردن الحبيب واختار يوسف القسوس أن يفتتح سيرته بنصّ كتبته زوجته نجوى جريس القسوس بخطّ يدها، ويرد فيه:” درس يوسف وتفوّق ونجح وأصبح طبيباً لقلوب الناس، وتضيف “بين طيات الكتاب قصة نجاح تمكث في الأرض، وتنفع الناس، لرجل متعدّد الجوانب أحب الناس وبادلوه الحب بالحب والوفاء بالوفاء”.
ليس غريباً أن تقدّم الزوجة ورفيقة الدرب التي عايشت صاحب الكتاب منذ عام 1971، ولا يمّر اسمها دون التذكير بوالدها الناقد والمترجم والمربّي جريس القسوس (1913 – 1969) الذي ساهم في وضع مناهج اللغة الإنكليزية في مدارس المملكة، وترجم وكتب العديد من الدراسات حول شخصيات أدبية غربية، ونشر مقالات معمّقة في التنشئة والتربية من منظور فلسفي وفكري.
ويبادل يوسف القسوس عائلته الوفاء بالوفاء، مفرداً في أحد فصول كتابه فصلاً اشتمل على خلاصة قناعاته وآرائه في حياة مديدة وثرية، ومنها قوله إنه “ما لم تقم حياة العائلة على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات/ وعلى علاقة المحبّة والاحترام بين الأهل وأبنائهم من خلال تطبيق مبدأ المشورة في ما بينهم في جميع الشؤون، فلا يمكن بناء حياة عائلية سويّة..”.
تسع سنوات أمضاها المؤلّف في مصر خلال دراسته الطب في “جامعة عين شمس” وتخصّصه في الأمراض الباطنية من الجامعة نفسها، ولا يقف في تناولها عند حديث العلم والدرس بل يستذكر قراءاته لعدد من المقالات والروايات والمجلات الأدبية التي كانت تصدر آنذاك، وتجواله بين معالم القاهرة التاريخية.
ويعود القسوس إلى الأردن ملتحقاً بعمله في الخدمات الطبية الملكية في السابع من كانون الأول عام 1966، مشيراً إلى الدور الذي لعبه المستشفى العسكري في ماركا، حيث خطا فيه أولى خطواته المهنية، وكيف تحمّل العاملون فيه مسؤوليتهم بعد هزيمة حزيران عام 1967، في معالجة الجنود الجرحى، وقيامهم بالمهمّات نفسها بعد أقل من عام عندما انتصر الجيش الأردني على العدو في معركة الكرامة سنة 1968.
وتنقّل الكتاب في فصول لاحقة بين أحداث ومحطّات مهمة، بدءاً من ابتعاث القسوس إلى المملكة المتحدة وحصوله على شهادة الزمالة البريطانية في الأمراض الباطنية عام 1970، وابتعاثه مرة أخرى للولايات المتحدة ونيله زمالة أمراض القلب سنة 1973، حيث عُيّن بعد عودته رئيساً لشعبة أمراض القلب في مدينة الحسين الطبية التي افتتحت في السنة ذاتها، وارتقى في السلم الوظيفي ليشغل منصب مدير المدينة عام 1990، ثم مديراً للخدمات الطبية الملكية في العام التالي وحتى تقاعده عام 1999.
وخصص الكتاب فصلاً بعنوان “الولاء للوطن.. الوفاء للملك” خطّ فيه وقائع عاشها في ظلّ جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال الذي تقدّم الصفوف عام 1967 مستنهضاً همم أبناء الجيش العربي بعد هزيمة 1967؛ فكان اللقاء الأول، واستعاد أيضاً الذكريات في القصر الملكي منذ عام 1970، ومرافقة الملك الحسين في عدد من أسفاره.
وتحت عنوان “وتستمر المسيرة”، يصف يوسف القسوس التطوّر والانجازات التي شهدها الأردن منذ تولي جلالة الملك عبد الثاني سلطاته الدستوري في السابع من شباط 1999، في تعزيز دور المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين، والاهتمام الخاص بتطوير نوعية التعليم، ومواصلة المسيرة الديمقراطية، وسن التشريعات التي عزّزت دور المرأة الأردنية، وغيرها الكثير من الإنجازات.
ويتضمّن الكتاب الذي يشكّل وثيقة مهمة في سيرة طبيب وجندي خدم وطنه على امتداد أكثر من نصف قرن، تفاصيل علاجه لعدد من الشخصيات السياسية العربية.
وتُختتم السيرة بشهادات افتتحتها شهادة الأميرة بسمة بن طلال تلفت فيها إلى تفاني القسوس وإخلاصه في مسيرته، إلى جانب شهادات لعدد من رؤساء الوزراء، والوزراء، والنوّاب والأعيان، والأكاديميين والكتّاب والصحافيين، والأطباء وكبار الضباط، إضافة إلى ملحق يضمّ صور الأوسمة وشهادات التقدير التي نالها، وقصائد كُتبت حول رحلته الغنية، والبطاقة الجامعية خلال دراسته الطب في عين شمس.
بترا