ثقافة وفنون

مسرحيون يطالبون بمراجعة حقيقية للمشهد المسرحي

22 الاعلامي-

في رسالة اليوم العالمي للمسرح التي كتبها هذا العام المخرج الأميركي بيتر سيلرز، تساءل: “أين هي اللغة، وما هي الحركات والصور التي تسمح لنا بفهم التحولات والتمزقات العميقة التي نمر بها، وكيف يمكننا نقل مضمون حياتنا الآن ليس كريبورتاجٍ صحفي بل كتجربة؟”، ليأتي جوابه بالتأكيد: “المسرح هو الشكل الفني للتجربة”.

ستوّن عاماً مرّت على إرساء تقليد الاحتفال في السابع والعشرين من آذار يوماً عالمياً للمسرح، والذي يركّز هذه العام على الجيل القادم من المسرحيين الذين يؤمل منهم تقديم تجارب لافتة في زمن يشهد فيه الفن الرابع تحدّيات كبرى، بدءاً من انحسار الجمهور ومروراً بأسئلة الرقمنة والذكاء الاصطناعي وتأثيراتها المتواصلة، وليس انتهاء بغياب النقد الذي من شأنه تطوير شكل العرض المسرحي وأدواته.


يضاف إلى ذلك كلّه، انتشار فيروس كورونا منذ أكثر من عامين، كما أشار الناقد والمخرج المسرحي باسم دلقموني في حديثه لوكالة الانباء الاردنية (بترا)، الى تراجع الزخم في العروض، وما تركه الوباء من تأثيرات نفسية على صنّاع المسرح مع حالة الإحباط التي أصابت قطاعات عديدة في حياتنا، معتبرا ان عودة المهرجانات سيكون لها دورها في تجديد المشهد المسرحي الأردني ومنحه الحيوية والنشاط.

وفي الوقت، لا يغفل الدلقموني وجود معيقات مختلفة تواجه المسرحي الأردني مثل شحّ الإمكانات المالية وتراجع الاهتمام بالثقافة والفنون وفي مقدمتها المسرح، حيث لا ينال المخرج دعماً يفي باحتياجات مسرحيته التي يعرضها في أيّ من مهرجانات وزارة الثقافة.

ورأى أن ثمة مشكلة أخرى تتعلّق بندرة النصوص الأردنية المكتوبة للمسرح على مستوى الكم والنوع، قياساً بفترة سابقة برز فيها كتّاب متميزون مثل الراحل جمال أبو حمدان (1944 – 2015) الذي قدّم أعمالاً ذات مستوى راقٍ، داعياً إلى توفير حوافز تدفع إلى إنتاج نصوص جيدة.


ونبّه دلقموني إلى غياب المسرح الجامعي بشقيّه المنهجي وغير المنهجي، إذ ترك إلغاء المسرح كتخصّص أكاديمي في جامعة اليرموك بعد أن أصبح يدرّس كمادة جامعية حرّة، تأثيراً سلبياً على الحركة المسرحية، مع وجود قسم وحيد في الجامعة الأردنية، كما توقّف النشاط غير المنهجي من خلال عروض الهواة التي كانت تقدّم في معظم الجامعات الأردنية، وتشكل رافداً آخر للمسرح في البلاد.


وختم بقوله، إن المسرح هو ثقافة وفلسفة منذ نشأته عند الإغريق حيث نال لديهم أهمية كبرى تعادل مكانة العمارة والطب وغيرها من العلوم، وكانوا يقيمون كلّ عام احتفالات مهيبة يكون المسرح حاضراً أساسياً فيها، لدوره في تطوير المجتمعات.


ويرى المخرج والممثل زيد خليل مصطفى أن تطوير المسرح الأردني يبتدئ من المسرحيين أنفسهم الذين تقاعسوا عن تحمّل مسؤولياتهم، واستمرأوا الآلية المتبعة في تقديم أعمال مدعومة من وزارة الثقافة تُعرض عدة مرات ثم توضع على الرف، مشيراً إلى ضرورة الذهاب نحو الإنتاج المستقلّ ليختبر المسرحي مستوى ما يقدّمه من أعمال من خلال شبّاك التذاكر، حيث ستتباين مدة عرض كلّ مسرحية لأيام أو أسابيع أو أشهر، وهو ما يمنح الدعم للمسرحيات التي يستمر عرضها لفترات أطول.

وأكّد مصطفى أن الواقع الراهن يفرض مراجعة جدية، فما يقدم على المستوى الكمي جيد نسبياً، لكن من حيث النوعية هناك ملاحظات عديدة تتصل حول شكل الإنتاج وجودته، مبينا أن وزارة الثقافة ترفد المسرح الأردني بخمسة عشر عملاً كلّ عام توزع ضمن ثلاثة مهرجانات هي مهرجانات الأطفال والشباب والمحترفين، مع التحفّظ على تصنيفها.

لكن هذه الآلية، يقول مصطفى، أبقت المسرح في إطار ضيق ولم تؤهله كي يصبح ضرورة يومية حياتية، داعيا إلى عدم انتظار الوزارة لتغيير آلياتها ، وذلك من خلال امتلاك المسرحيين أنفسهم قراراً جريئاً بالذهاب إلى الورش والمختبرات المسرحية التي من شأنها أن تطوّر من جودة عروضهم، واللجوء إلى وسائل جديدة ومتاحة للإعلان عن مسرحياتهم والترويج لها بدلاً من الوسائل التقليدية.

ورأى أن المؤسسة الرسمية تتعامل مع المسرح بوصفه زائداً عن الحاجة، ولا يمكن تغيير هذه النظرة إلا بقرارٍ سياسي من مستوى عالٍ، مستشهداً بمقولة الكاتب والباحثالراحل روكس بن زائد العزيزي (1903 – 2004) بأن علاقة الجمهور الأردني مع الغناء والموسيقى كانت أوثق منها مع المسرح، وهو ما يستدعي استعادة الجمهور حين يؤمن المسرحي بأن المسرح هو ضرورة اجتماعية ونضال دائم.

بدوره استعرض القاص والكاتب المسرحي مفلح العدوان جوانب مضيئة في واقع المسرح الأردني الذي يُدعم بشكل أساسي من وزارة الثقاقة، مشيرا بهذا الخصوص الى عدم وجود رقابةعلى مضمون الأعمال المقدمة التي تتمتع بسقف عالٍ من الحرية، وغياب شروط اختيار النصوص سواء أكانت محلية أو عربية أو عالمية.

ودعا العدوان إلى زيادة الدعم المقدم للأعمال المعروضة في مهرجانات الوزارة، وتغيير آلية الدعم الذي يجب أن يأخذ بالاعتبار كلّ عنصر من عناصر العرض على حدة، فيكون هناك دعم لكتابة نصوص جيدة، ومن ثمّ تسويق هذه النصوص وتقديمها للمخرجين من أجل الاشتغال عليها في مرحلة مقبلة، وبموازاة ذلك عقد ورش تدريبية حول تقنيات المسرح ضمن شراكة تجمع الفرق المسرحية وكليات الفنون في الجامعات.

ولفت العدوان إلى أن الجامعات الأردنية تُغيّب الكتّاب والمخرجين والفنانين ضمن تدريسها المسرح، مكتفية بالتعليم الأكاديمي فقط دون أن يكون للمبدع دور في تنشئة الأجيال القادمة التي تحتاج إلى مهارات متنوعة بالإضافة إلى البعد النظري.

“لدينا منجز جيد يمكن البناء عليه” خلاصة يقدّمها العدوان في يوم المسرح العالمي، داعياً إلى عقد ورشة أو خلوة أو ملتقى يتضمّن نقاطا محدّدة لمناقشتها من قبل المتخصّصين والفاعلين في الثقافة الأردنية من أجل تطوير العمل المسرحي، وإعادة مراجعة المهرجانات التي انتظمت منذ ثلاثة عقود، إضافة الى طرح تساؤلات جادة حول ما قدّم وما يمكن تقديمه في المستقبل.

أولى الخطوات التي يجب السير فيها، بحسب العدوان، تتمثل بالخروج من مسرح المهرجانات من خلال تأسيس فرقة مسرح وطنية، وهي فكرة لا تتعارض بالتأكيد مع وجود فرق مستقلة.


ودعا صانع القرار الى بث الحياة والروح في مسرح يستوعب كل القضايا الوطنية ويصل إلى الجمهور، مستذكراً تجربة لافتة تبّنت بموجبها مؤسسة عبد الحميد شومان دعم مسرحية “تايكي تختار حامل السر” من تأليفه وإخراج فراس المصري حيث عرضت في جميع المحافظات، لكن التجربة لم تستمر، مشيرا الى أن المسرح الأردني يمكن أن يكون حاضراً أكثر في مهرجانات جرش والفحيص وغيرهما، وتقديم العمل المسرحي على مدار العام.

المخرج والممثل مصطفى أبو هنود استعاد بدايات الحركة المسرحية حين كانت المؤسسة الرسمية تتعامل معها باعتبارها إحدى الواجهات الأساسية للتعبير عن الدولة الأردنية، وتشكيل “أسرة المسرح الأردني” التي تأسست عام 1966 معتبرا ذلك خير مثال على الاهتمام الرسمي، لكن الأولويات الرسمية تغيّرت ولم تعد الثقافة والفنون من ضمنها.
وأشار إلى أنه في فترة من الفترات تمت مقاطعة الدراما التلفزيونية الأردنية، فتمّ اللجوء إلى إنشاء المهرجانات كشكل من أشكال تشغيل الفنانين، ويبدو أن هذا التصور ما يزال يحكم ذهنية القائمين على ذلك من جهات رسمية.

ورأى أبو هنود أنه رغم وجود لجان قراءة نصوص وتقييم، إلا أنها لا تقوم بدورها المرجو والمأمول، حيث يتحول الأمر إلى توزيع ترضيات وفق محسوبيات معينة على حساب المستوىالفني في كثير من الأحيان، بدليل تقديم عروض تسبّبت بخسارة جمهور المسرح.

وعبّر عن أسفه حيال السياسات الخاطئة وعدم جدية التعامل مع القطاع المسرحي الذي يعمل فيه منذ عام 1984، مشيرا الى أنه مع دخول المئوية الثانية للدولة الأردنية مطلوب مراجعة نقدية حقيقة للتجربة، يكون في سلّم أولوياتها مؤسسة مستقلة للمسرح تقدم عروضاً طيلة العام ويكون هناك مهرجان واحد سنوياً لاستضافة تجارب عربية ودولية ليطلع عليها المسرحي الأردني، على أن يشارك فيها عرض أو عرضين أردنيين على غرار المهرجات العربية والعالمية.

ومن أجل تراكم حالة مسرحية حقيقية، دعا أبو هنود إلى إقرار استراتيجية واضحة يتمّ من خلالها رصد ميزانيات كافية وإخضاع النصوص المقدمة إلى تقييم مهني، وإنشاء فرقة مسرح قومية، وإعادة النظر في كل السياسات المتعلقة بالمهرجانات، وأن لا تقتصر على العاصمة من اجل الاشتباك مع الجمهور خارج المركز، وكذلك مراجعة شكل العروض ومحتواها وخطابها الموجّه، وهذا يحتاج إلى عصف ذهني وقرار وميزانيات.

وشدّد على أن الثقافة تحتاج إلى حوامل، وعلى المؤسسات الإعلامية أن لا تتخلى عن دورها في الترويج للأنشطة الثقافية، بموازاة دعم البلديات والمؤسسات الوطنية ضمن آليات تمويل جديدة، بالإضافة إلى مشاركة القطاع الخاص في تقديم هذا الدعم.

من جهتها، لفتت المخرجة والممثلة أسماء قاسم إلى فترة التسعينيات التي شهدت تنوعاً كبيراً في الأساليب وأشكال العروض وقدمت تجربة مهمة لكنها تراجعت مع مطلع الألفية الثانية لعوامل عدّة، في صدارتها حصر المسرح الأردني بالمهرجانات التي نتج عنها أضرار كثيرة، وصار على الفنان المسرحي انتظار دعم من وزارة الثقافة التي حصرت المسرح في ثلاثة مهرجانات تعتمد أعمال خمسة عشر مسرحيا على الأكثر يقدمون عروضهم لمرات قليلة، خلافاً لتجارب مسرحية عربية أخرى تعرض الأعمال طيلة العام.


ودعت قاسم الى “عدم التأطير بهذه الآلية المقيدة وغير المنتجة والتي لا تسهم في تطوير المسرح مع تكرار الأسماء ذاتها في المهرجانات كلّ عام”، مطالبة بإِشراك فنانين في وضع استراتيجيات من شأنها التقدّم نحو مسرح ذي مرجعية فكرية يتناول قضايا تهمّ الناس وفيه مفردات العرض المسرحي بما تليق به كلمة المسرح.


ووقفت عند تجربتها التي تمتدّ إلى عام 1994، إذ قّدمت بعد تخرجها من “المعهد العالي للفنون” في دمشق أعمالاً للأطفال والكبار كممثلة ومخرجة، لكنها اختارت العمل في المسرح وابتعدت عن التلفزيون، وبسبب هذا الاختيار، كان عليها الوقوف ملياً عند واقع أزمة المسرح من أجل إنقاذه.

“هناك عروض جيدة لكنها لا تلقى الدعم الكافي لها، سواء معنوياً أو مادياً”، بحسب قاسم التي ترى أن جودة ما يقدّم يرتبط بالموهبة أساسا ولا صلة له بالتكوين الأكاديمي للمسرحي”،مؤكدة أنها تتمسّك بالأمل، وستقدّم عملاً هذا العام تتناول فيه “ما تكابده البشرية”.

(بترا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى