الفن الإسلامي يدخل العالم الرقمي
فنان من أذربيجان يقدمه من خلال سجادات ومنمنمات عبر «ميتافيرس»
الفنان الأذربيجاني أورخان مامادوف، له طريقته الخاصة في الإبداع ومزج التراث بآخر صيحات الفن الرقمي. في عام 2019 مثل بلاده في بينالي البندقية، وقدم أعمالاً يمكن أن تصف بالمذهلة أو بـ«الثورية»، وهي كلمة يحب الفنان استخدامها. في فينيسيا قدم ترجمة الواقع الافتراضي لفن المنمنمات العتيق، قدمها على هيئة أعمال بصرية متحركة. تخرج المنمنمة من تحت يد وكومبيوتر مامادوف لتخاطب العالم الحديث، تمزج ما بين الرسومات القديمة، حيث نرى الشخصيات وهي ترتدي الملابس التقليدية لأناس عاشوا في بلاد فارس وما جاورها في القرون الوسطى، نرى تقسيمات الرقعة كالمعتاد، حيث تتميز المنمنمات بطريقة سرد فريدة، كل منها تقدم قصة على مراحلها الزمنية المختلفة. غير أن النسخ الرقمية منها تترك عالمها القديم وتخطو داخل القرن الـ21. الشخصيات الموجودة في عمله ترتدي الملابس نفسها، ولكنها تمارس حياتها الرقمية أمامنا، فمن مجموعة من النساء يسبحن في بركة مزينة إلى حفل راقص وعازف عود يتمايل، وفي ركن آخر من المنمنمة تصور خارج القصر هناك فلاح يقوم بالعمل في أرضه وداخل القصر مجلس السلطان بأشخاص يحنون رؤوسهم ويقدمون الهدايا له. يضيف مامادوف من خياله أيضاً مشاهد حديثة، حيث نجد مجموعة من الرجال يمارسون رياضة الكرة الطائرة على سبيل المثال.
سجاد شرقي بصيغة «إن إف تي» من معرض «التفرد في التراث» للفنان الأذربيجاني أروخان مامادوف
عرج فن مامادوف من المنمنمات إلى السجاد العتيق وإلى نقوشه وألوانه المميزة، وهنا أيضاً يصطحب تصاميم السجاد المعروفة في بلده أذربيجان إلى العالم الرقمي، ويعرضها في «آرت دبي» من خلال غاليري «غازيل أي أو» (GAZELL.iO)، ويسحر جمهور المعرض بقطع سجاد تتحرك وتتضافر ألوانها وتتماوج زخارفها على الشاشات.
العرض حمل عنوان «التفرد في التراث»، ومن خلاله قدمت مقاطع الفيديو التي طورها الفنان للعالم الافتراضي معتمداً على خوارزميات صممها بنفسه في محاولة لتصوير التشابهات بين تصاميم السجاد والزخارف التراثية. وللوصول للشكل الرقمي كما نراه قام بإدخال أكثر من 150 ألف صورة أرشيفية لقطع السجاد والأبسطة والكليم والمنمنمات وأشكال زخرفية من المتاحف والمكتبات العالمية من خلال نظام حوسبة يقدم التراث من خلال عدسات رقمية. يحاول مامادوف إحياء التراث الثقافي الملموس وتحويله إلى سجاد وتصاميم حائط رقمية لعالم الميتافيرس من خلال هذا المعرض، الذي اختار صيغة «إن إف تي» (الرموز غير القابلة للتداول) له.
من دبي، حيث عرض الفنان سجاداته الرقمية لجمهور «آرت دبي»، تحدث الفنان مع «الشرق الأوسط»، وتطرق الحديث لبداياته وأعماله وطريقة عمله التي يمكن أن يطلق عليها «اللغة الجديدة للفن الاستشراقي».
- البدايات مع الخوارزميات
سأله في البداية إن كان بدأ عمله الفني من خلال العالم الرقمي، ويجيب قائلاً بأن بدايته كانت عبر الكومبيوتر: «بدأت في عمر الـ15 تعلمت البرمجة وطورت مهاراتي بتعلم تقنيات تطوير وتصميم البرامج»، بعدها درس علوم الكمبيوتر في الجامعة، ولكنه طمح للمزيد: «فكرت في تلك المرحلة بأني تعلمت البرمجة، ولكن ذلك لم يكن كافياً، فقد كان عندي شغف لصناعة الأعمال الفنية». توجه مامادوف بعد ذلك لإسطنبول لدراسة وسائل التواصل البصرية، التي تمكنه من إنشاء أعمال فنية تفاعلية، وبعد ذلك التحق الفنان بجامعة براغ لدراسة الفنون، «بعد أن تخرجت قررت دمج كل المهارات التي تعلمتها في مجال واحد».
أما عشق السجاد، فله قصة أخرى معه، يروي لي أنه شارك في معرض فني عام في مدينة باكو عاصمة أذربيجان، وكانت المرة الأولى التي يشارك فيها بمعرض عام، كان أمامه تحدٍ لتحقيق عمل فني على طريق سريع في العاصمة، وهو طريق مشهور بكثرة الحوادث، فكر الفنان حينها في استخدام السجاد كمادة رئيسية لفكرته: «استخدمت قطعة طويلة من السجاد الأحمر وضعتها على الأرض، وأحطتها بأشخاص يرتدون ملابس رسمية، وكأن السائق يمر على السجاد الأحمر المخصص لكبار الشخصيات. النجاح الذي قوبلت به الفكرة دفع الفنان للتركيز على السجاد لاستكشاف تراثي ووسيلتي الفنية». - بينالي فينيسيا والمنممات الرقمية
المحطة الأهم في مسيرة مامادوف كانت تكليفه بتمثيل أذربيجان في بينالي فينيسيا عام 2019، وكان الموضوع العام للبينالي هو «الأخبار الكاذبة والحقائق الزائفة». لجأ مامادوف مرة أخرى للتراث الإسلامي في أذربيجان، وقام بجمع كل أشكال الزخارف المعروفة في التراث الوطني، التي تستخدم في تصميم الأزياء والعمارة وغيرها، «قمت بتحليل كل تلك المعطيات وبها كونت أشكالاً بديلة مزيفة، تستطيعين وصفها بأنها بدائل بصرية أو أشكال مزيفة، ففي النهاية هي أشكال غير حقيقية. لقد طورت نظام ذكاء صناعي مستقل ينتج دائماً أنماطاً ورموزاً جديدة لا نهائية».
أسأله عن عمله الثاني في البينالي، وعنوانه «مرقع»، الذي يمزج الحقيقة والخيال في صورة منمنمات تراثية، يشير إلى أنه جمع محتويات ثلاث منمنمات لتكوين هذا العمل: «فكرة (مرقع) كانت استجابة لموضوع البينالي عن الأخبار الكاذبة، ففي تلك الأزمان كان السلطان أو الشاه يملك المال ليستأجر الكتاب والفنانين لكتابة وصنع ما يريد. وقد خطرت لي فكرة جمع عدد من المنمنمات من العهد الصفوي، وأضفت للقصص المرسومة داخلها قصتين مزورتين مثل تصوير مشهد نادٍ ليلي داخل جناح الحريم، أو مشهد لمباراة كرة سلة. مزجت الحقيقي بالزائف، وأردت ألعب حيلة على ذهن المتفرج الذي يجب أن يقرر لنفسه الفرق بين الحقيقي والكاذب أمامه». - السجاد الرقمي والمنمنمات بصيفة «إن إف تي»
أعود بالفنان لمشاركته في آرت دبي، الشهر الماضي، الذي قدم فيه من خلال غاليري «غازيل أي أو» (GAZELL.iO)، عمله الغامر المعتمد على تصميمات السجاد الرقمية، وأستعير تعبير «النسج الرقمي» منه: «لنعد للسجاد إذن أو ما تطلق عليه (النسج الرقمي)، اشرح لنا التأثير البصري لتلك الأعمال الغامرة». يجيب: «لنبدأ بالبناء البصري للسجادة، لقد قمت باستنساخ نفس عملية صناعة السجاد، لكن بدل الخيوط استخدمت الخوارزميات لتكوين ألوان وأشكال رقمية، في النهاية ما ترينه أمامك هو مزيج من حوالي 10 سجادات، وهذا ما أطلق عليه مسمى النسج الرقمي».
تبدو كل سجادة رقمية أمام الناظر وكأنها بالفعل منسوجة من خيوط وألوان مختلفة، تتلون وتتغير زخارفها أمامنا في العرض الغامر، يصف تأثير ذلك «صممت محاكاة لسجاد حقيقي، ما نراه يشبه الحلم، حيث تندمج الأشكال وتتشابك ببعضها البعض».
هل فكر يوماً بتصميم السجاد الواقعي والمحسوس؟ أسأله منبهرة بقدرته على خلق كل تلك النماذج البديعة من السجاد التي لا يستطيع الناظر وضعها على الأرض ليمشي عليها، ولكن يمكنه وضعها على الحائط عبر شاشة ضخمة، يقول إنه يصمم بالفعل سجاداً، ويتعامل مع أحد المصانع في أذربيجان، ولكنه يعد ذلك الجانب من عمله عملية «تجارية».
المصدر : الشرق الاوسط