عربي دولي

أغلق الاحتلال معظمها مؤخرا.. “الفتحات” منفذ الفلسطينيين نحو الأقصى


يستغل عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية ثغرات في جدار الفصل والأسيجة الأمنية المحيطة بهم لاختراقها والعبور نحو الداخل المحتل أو للوصول إلى القدس والصلاة في المسجد الأقصى
“لا أتخيل رمضان بدون زيارة المسجد الأقصى، قد أمرض قهرا إن لم أتمكن من ذلك”، هكذا عبر الشاب خليل سلامين (29 عاما) من مدينة طولكرم (شمالي الضفة الغربية) عن توقه لزيارة المسجد الأقصى وحزنه على إغلاق “الفتحات” التي كانت تسهل دخوله للقدس أسبوعيا.
ويؤكد سلامين للجزيرة نت أنه سيبحث عن “فتحات” جديدة حتى لو كانت بعيدة، وسيسعى للوصول إلى الأقصى بكل الطرق الممكنة.
ومنذ نحو عامين ابتكر فلسطينيو الضفة الغربية -الذين تحرمهم إسرائيل من دخول مدينة القدس- طريقة جديدة للوصول إلى المدينة المحتلة والصلاة في المسجد الأقصى، ولا سيما في شهر رمضان، بعد أن حالت الحواجز الإسرائيلية وبناء جدار الفصل العنصري دون ذلك.
وباتت “الفتحات” أو الثغرات التي أقيمت في عشرات المواقع على طول الأسيجة الأمنية وجدار الفصل العنصري أكثر الطرق شيوعا في شد الرحال إلى القدس والمسجد الأقصى في شهر رمضان خاصة، لكن فرحة الفلسطينيين بها لم تدم هذا العام، بسبب إغلاق الاحتلال معظمها بعد موجة العمليات المسلحة في الأسابيع الأخيرة.
ويصف سلامين صعوبات الطريق عبر الفتحات والتحديات التي تواجه المارين من خلالها، فجنود الاحتلال يتربصون بكل من يحاول المرور منها، ومن يقبض عليه يتعرض للتفتيش والاحتجاز لساعات طويلة وللتحقيق الميداني وأخذ البصمات والتوقيع على تعهد بعدم العودة، وبعضهم يتعرضون للضرب والإذلال.
بنى الاحتلال الإسرائيلي جدار فصل قرب الخط الأخضر بتكلفة تجاوزت 5 مليارات دولار بين أراضي الضفة الغربية ومناطق الداخل التي احتلتها إسرائيل عام 1948، ومعها القدس، ليمنع الفلسطينيين من حملة “هوية الضفة الغربية” من الدخول عبر الجدار والحواجز إلا بتصريح إسرائيلي يعطى لأعداد قليلة وأسباب مقيدة مثل العلاج أو العمل أحيانا.
طرق الدخول
أما من يمنعهم الاحتلال لذرائع أمنية أو عمرية (إسرائيل تحدد أعمار الفلسطينيين الذين تسمح لهم بدخول القدس في رمضان من غير سن الشباب) فيحاولون كسر المنع عبر طرق عديدة، منها القفز فوق الجدار الذي يصل طوله في بعض المقاطع إلى 7 أمتار مستعينين بسلالم وحبال، وهذه الطريقة تحمل في طياتها خطر الوقوع والإصابة والاعتقال أيضا.
أما الأساليب الأخرى فهي الولوج عبر “العبّارات”، وهي قنوات إسمنتية أسطوانية شقها الاحتلال أسفل الجدار و”الشوارع الأمنية” لتصريف مياه الأمطار أو الصرف الصحي، وقد يتعرض من يدخلها للغرق أو الاختناق.
بدايتها
وليست كل مقاطع الجدار الفاصل إسمنتية، فبعضها عبارة عن أسلاك شائكة تدعى إسرائيليا “السياج الأمني الإلكتروني”، وبعد إلغاء الاحتلال إصدار تصاريح العمل بحجة انتشار وباء كورونا عام 2020 لجأ العمال الفلسطينيون إلى اختراق وقص بعض مقاطع السياج الفاصل للوصول إلى أماكن عملهم في الداخل، ويقدّر أن تلك المحاولات كانت بداية عهد “الفتحات”.
ولاحقا، انتشرت عشرات الفتحات على طول الجدار الفاصل في قرى فرعون وبرطعة (شمال)، والمدية ونعلين (وسط)، والسموع وبيت لحم (جنوب).

ولم يقتصر قاصدوها على العمال فحسب، وإنما قصدها الفلسطينيون الذين توجهوا إلى مناطق الداخل للتعرف عليها والتنزه فيها وزيارة القدس والمسجد الأقصى.
إغلاق الفتحات
قُبيل رمضان الحالي قرر الاحتلال الإسرائيلي إغلاق معظم الفتحات، وحسب شهود عيان فإن جنوده يوجدون بكثافة حولها ويطلقون النار والقنابل الصوتية باتجاه من يحاول الاقتراب منها.
وتأتي هذه الحملة بعد سلسلة من العمليات الفدائية الفلسطينية في الداخل، واعتقاد الاحتلال بأن الشهيد ضياء حمارشة من بلدة يعبد (جنوبي جنين) دخل عبر إحدى الفتحات ونفذ هجوما مسلحا في حي بني براك قرب تل أبيب نهاية مارس/آذار الماضي.
مخاطرة في الوصول والمغادرة
أما إن استطاع الفلسطيني من الضفة الغربية تجاوز الجدران والوصول إلى مدينة القدس فتستقبله حواجز الاحتلال الطيّارة عند أبواب سور المدينة والمسجد الأقصى، ويظل قلقا مترقبا حتى يدخل ساحات المسجد.
وهناك “ينسى كل تعبه وقلقه” وفق الشاب سلامين الذي قال “يزول كل القلق والتعب، كأنني حرفيا دخلت قطعة من الجنة، وحين أهم بالمغادرة كأن قلبي ينتزع من مكانه”.
تتجدد مشاعر القلق عند مغادرة المسجد، فطريق العودة محفوف بحواجز الاحتلال وعقوبة الاعتقال أو الإبعاد عن مدينة القدس والأقصى أو الترحيل إلى أحد الحواجز المحيطة بالمدينة كحاجزي الزعيم والزيتونة.
ويذكر سلامين أن الاحتلال اعترض حافلة كاملة أقلت مصلين من الضفة الغربية للأقصى في رمضان الماضي، وأحال جميع ركابها للتحقيق في مركز الجلمة القريب من جنين (شمالي الضفة الغربية) واحتجزهم 14 ساعة.
ويضيف “كل همهم كان ألا نذهب إلى المسجد الأقصى، قالوا لنا اذهبوا للبحر والتنزه لكن ليس للأقصى”.
متعة خطيرة
بدوره، تحدث الشاب فخر خلف (36 عاما) من قرية رنتيس (غربي رام الله) عن تجربة دخوله القدس عبر “الفتحات”، فيقول إنه يجب أن يجتاز فتحتين عبر سلكين شائكين، إحداهما من جهة الضفة الغربية والأخرى في الداخل، وبينهما شارع أمني مليء بكاميرات المراقبة ودوريات جيش الاحتلال.
لحظات مفعمة بالحماسة والترقب كما وصفها خلف أثناء اجتياز الفتحة وقطع الشارع قبل وصول جنود الاحتلال والركض مسافات طويلة في الأحراش، وسط الخوف من إطلاق النار عليه في أي لحظة، وصولا إلى الحافلة التي ينتظر سائقها في الجانب الآخر كي تقله إلى القدس بعد دفع مبلغ مالي يصل في المتوسط إلى 30 دولارا للشخص الواحد.
وأضاف “لم أترك طريقة إلا وجربتها لدخول الأقصى، قفزت عن الجدار الفاصل وأصبت بكسور، ودخلت من العبّارة التي تتطلب لياقة بدنية للمرور عبرها، ثم جربت الفتحات من أماكن مختلفة وكاد يُمسك بي مرارا لكنني نجوت دائما، إنها مغامرة ممتعة وخطيرة في آن واحد، لكنها خيار مهم لمن منعوا من دخول القدس”.
ويقصد الفتحات فلسطينيون من كافة الأعمار، يواجهون المصاعب ذاتها، ويقول خلف إنه في الجمعة اليتيمة من شهر رمضان الماضي مشى صائما مسافات طويلة تحت أشعة الشمس، وشهد على معاناة النساء والأطفال وكبار السن.
وقال “هناك أمر خفي يربطنا بالأقصى تختفي أمامه مقاييس العمر والصحة وتسقط الحسابات البدنية، ذكرت لي إحدى المسنات يومها: أنا رجعت صبية لما دخلت الأقصى”.
إهانة وإرهاب
وجملة “عندما نصل الأقصى يتلاشى العناء كله” يُجمع عليها مريدو الأقصى، وترددها وفاء حميدات (21 عاما) من قرية بني نعيم قضاء الخليل (جنوبي الضفة الغربية) في حديثها للجزيرة نت عن الصعوبات التي واجهتها أثناء عبور الفتحات.
وقامت حميدات في إحدى المرات بتنظيم زيارة إلى القدس للفتيات، وأثناء عبورهن الفتحة أمسك الاحتلال باثنتين منهن، وتعرضن جميعا للإهانة والشتم، قبل أن يجري احتجازهن لساعات طويلة.
وتقول حميدات “قالوا لنا: ماذا أتى بكم إلى أرضنا؟ هذه لنا، متى سترحلون إلى الأبد؟ سحلونا سحلا نحو مركباتهم العسكرية، وكل ذلك لإرهابنا من المحاولة ثانية، لكن كل ذلك جعلني أكثر عزما ورغبة في الوصول إلى القدس”.
المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى