عربي دولي
أخر الأخبار

بعد 19 يوما من قصف غزة بالأسلحة المحرمة.. العالم يغمض عينيه عن التدمير المقصود للبيئة  

22الاعلامي-  بشرى نيروخ- حتى الشجر والحجر والهواء لم تسلم من القنابل والصواريخ والمتفجرات المجنونة على أرض غزة في غزة التي تتلقى الغارة تلو الأخرى في حرب لم ترع أي قيمة من قيم الحياة التي سخرها الله بحكمته لكل خلقه لكن عشاق التدمير عاثوا بها حرقا وتدميرا.

أرقام فلسطينية رسمية قدرت ما ألقي على قطاع غزة من متفجرات شديدة التدمير والسمية والغازات المميتة لكل أشكال الحياة حتى الآن بأكثر من 12 ألف طن، ومع هذه الحِمم غاب أو تبخر صوت المُدافعين عن الأرض والمناخ لتنصب كل الأصوات المجلجلة في وجه الاحتلال الإسرائيلي لوقف هذه الكارثة التي حولت الأرض الى مقبرة مفتوحة.

فالاحتلال الإسرائيلي ينتهك كل القوانين والمواثيق الدولية الخاصة بحماية البيئة ويلوث بحربه المجنونة الهواء ويزيد من معدلات تسممه نتيجة استخدام أسلحة الدمار الشامل والمحرَّمة دوليا مثل الأسلحة الكيميائية والمشعة والفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، وتسرب المواد الخطرة والملوثات إلى التربة والمياه والهواء، ما يزيد من معاناة كوكب الأرض من الانكسار المناخي ويتسبب بمزيد من الأمراض، بحسب خبراء بيئيين.

وأشار هؤلاء في أحاديث لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إلى أنَّ الحروب لها تأثير مباشر على التغير المناخي من خلال زيادة الانبعاثات الكربونية وتدمير الغلاف الأخضر وإضعاف جهود التخفيف من تداعيات التغير المناخي وخلخلة الصمود في مواجهة أزمة المناخ.

أستاذ هندسة البيئة والتغير المناخي في جامعة الحسين بن طلال الدكتور عمر علي الخشمان أشار إلى أن الحرب على غزة هجمة صهيونية شرسة أدت إلى تدمير مكونات البيئة الطبيعية بكاملها، والتي تشمل الماء والهواء والتربة، من خلال استخدامها مختلف أسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليا مثل الأسلحة الكيميائية والمشعة والفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب وأسلحة أخرى لم تستخدم إلا في هذه الحرب المسعورة حيث يتم تجربتها على الابرياء المدنيين في فلسطين.
ويؤكد الخشمان أن هذه المواد المشعة والكيميائية سيكون لها على المدى القريب والبعيد آثار سلبية على عناصر البيئة المختلفة كالماء والهواء والتربة في غزة خصوصا وما حولها، مشيرا ايضا الى الحرائق التي أشعلتها هذه الحرب ودمرت الأشجار والغابات ما تسبب بزيادة الغازات والدخان والغبار، وأثّر سلبا على نوعية الهواء الذي غدا المسبب الرئيسي لكثير من الأمراض خاصة الجهاز التنفسي.

ويقول، إن الحرب على غزة ستؤثر سلبا على الجهود الدولية من أجل إنقاذ البيئة وتخفيف تأثيرات التغير المناخي الذي يؤثر بصورة كبيرة ومتسارعة على منطقتنا والعالم، معتبرا أن الحرب على غزة ترتقي إلى جرائم حرب على البشر والبيئة، وسيكون لها تأثير كبير على النواحي الصحية والبيئية والاجتماعية على سكان غزة وما حولها، وهذا يتناقض مع القانون الدولي الإنساني وحق الفلسطيني في العيش في بيئة آمنة ونظيفة وصحية بالإضافة لانتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتدمير البيئة الطبيعية والتدهور البيئي لكافة مناطق فلسطين.

رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر الشوشان، أشار إلى أن هناك تأثيرا مباشرا للحروب على الأنظمة البيئية خاصة في استخدام الأسلحة الكيميائية (الفسفور كما هو مستخدم في الحرب على غزة) المحرمة دوليا، لافتا الى أن هذه الأسلحة الفتاكة تحدث كارثة بيئية على مستوى العناصر الأساسية للبيئة مثل تلويث التربة والمياه الجوفية والسطحية وتلوث الهواء بحيث يصبح عالي السمية ويدمر الحالة الصحية للإنسان.
أما التأثير غير المباشر، فيتمثّل من خلال حركات اللجوء والنزوح وهذا يؤثر على استنزاف الموارد الطبيعية وتآكل رأس المال الطبيعي وتدمير عنصر الاستدامة، وهذا المثال واضح في مخيمات اللاجئين في فلسطين وخارجها.

واكد الشوشان أهمية دور المدافعين عن المناخ في إيصال الصوت العالي بشأن حق الفلسطيني بالعيش في بيئة صحية مستقرة، وتجذير الحق البيئي والعدالة المناخية في حياتهم والدفاع عنه، داعيا الشباب العربي للضغط على حكوماتهم لتبني ميثاق عالمي لحماية الموارد الطبيعية أثناء الحروب، ورفع قضايا في المحاكم الشرعية الدولية للمطالبة بتعويض الخسائر والأضرار الناجمة عن جرائم الحرب البيئية.
ودعا الشوشان المجلس الحاكم في مجلس الأمن الى إدانة تدمير رأس المال الطبيعي في الدول التي تتعرض للحروب كما يحصل في غزة الآن ومطالبة الدول المعتدية بتعويض الخسائر والأضرار البيئية الناجمة عن استخدامها للأسلحة المحرمة دوليا، كما دعا الى تعديل على الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي والاتفاقية الدولية للتنوع البيولوجي فيما يتعلق بأثر الحروب على المنظومة المناخية والتنوع الحيوي.
الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للعدالة البيئية الدكتور محمد عيادات قال، تمثل العدالة البيئية أساسًا لحماية البيئة الطبيعية، فهي ليست مجرد ترتيب وتوزيع للموارد الطبيعية، بل تعبير عن حماية الإنسان نفسه وحماية مصالحه العليا باعتبارها التزامًا أخلاقيًا عميقًا بضمان حياة كريمة وصحية للجميع.

وأشار عيادات إلى أنه ليـس في القانـون الدولي تعريفـات متفـق عليهـا لمصطلحي “البيئـة” أو “البيئـة الطبيعيـة”. ففـي القانـون البيئـي الدولي توجد نهـج مختلفـة للتعامـل مـع معانيهما، وفي كثير مـن الأحيان، تعرف الصكـوك البيئيـة الدولية مفهوم البيئة أو تشير إليهـا بعبـارات عامـة، أو تتناولها في السـياق المحدد لصـك معين ومع ذلك، يشـمل مفهـوم البيئة عموما في القانـون البيئـي الدولي سمات ومنتجـات العـامل الطبيعـي وسمات ومنتجـات الحضـارة الإنسانية على حـد سـواء.
وأضاف، إن هذا التعريف لا يخدم أغـراض القانون الدولي الإنساني في البروتوكول الإضافي الأول أو تاريخه التفاوضي، وهنـاك آراء مختلفـة بشـأن معنـاه الدقيـق، غير أنه أصبح من المتفق عليه وفقا لقواعد القانون الدولي وتفرعاته أن مصطلح البيئية الطبيعية يشير على نحو أوسـع الى نظـام العلاقات المتبادلة بين الكائنات الحية وغير الحية، ولذا يشـمل مفهوم البيئـة الطبيعية بموجب القانون الدولي الإنساني كل مـا هو موجود طبيعيا مثـل الغلاف المائي والمحيط الحيـوي والغلاف الأرضي والغلاف الجـوي عموما بما في ذلـك الحيوانات والنباتـات والمحيطات والمجاري المائية الأخرى والتربة والصخور، كما تشمل أيضا نتاج التدخل البشري، مثـل المواد الغذائيـة والمناطق الزراعيـة ومياه الشرب والثروة الحيوانية.

وأكد عيادات ضرورة أن تأخذ المعايير الدوليـة المتعلقة بحماية البيئة في الاعتبار حماية البيئة في حالات النزاع المسلح، إلا أن تحديـد مـدى انطبـاق القانـون البيئـي الدولي بالتزامن مـع القانون الدولي الإنساني مسـألة أكثر تعقيدا، إذ توفـر مشـاريع المواد المتعلقة بآثار النزاعات المسلحة على المعاهدات الصادرة عـن لجنة القانون الدولي توجيهات أساسـية في هـذا الصـدد.
وأشار الى أن القانون الدولي الإنساني واجب النفاذ في وقت الحرب اقر العديد من المبادئ الهامة لحماية الأشخاص والأعيان في حالة النزاع المسلح، من أهمها المبدأ الذي يقر بحق أطراف النزاع المسلح في اختيار أساليب ووسائل القتال، غير أن هذا الحق ليس مطلقا بل مرتبط بقيود، كما نصت اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والخاصة بحماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب على حظر تدمير الممتلكات الثابتة أو المنقولة وفقا لنص المادة 53 من ذات الاتفاقية والتي توفر حدا أدنى من الحماية للبيئة أثناء حالة الاحتلال، وفقا لعيادات.

وبين عيادات أن الحروب تترك آثاراً كبيرةً واضحةً على البيئية والتنوع الحيوي، ما يشكل مأساة لا تنتهي بانتهاء الحرب أو تراجعها، ما قد ينجم عنها إتلاف مساحات شاسعة من الغطاء النباتي والموائل المختلفة، وفي أغلب الأحيان تتعـرض البيئـة الطبيعيـة لهجمات مبـاشرة أو اضرار عرضيـة؛ نتيجـة لاستخدام وسـائل أو أسـاليب معينـة للقتـال، فعلى سـبيل المثال عندما تـؤدي الأعمال العدائيـة الى تعطيـل خدمـات المياه أو الصرف الصحـي أو الكهرباء، أو إضعـاف الهياكل الأساسية التي تمكنها مـن العمل؛ فإنها تمثل خرقا لقواعد القانون الدولي وكارثة إنسانية طويلة الأمد، وهو بالتحديد من تم فعلا من جراء العدوان الغاشم على غزة حيث أدت الهجمات العدوانية المتتالية على المنشئات المدنية الى تلوث المياه والتربة والأرض والهواء.

وأشار الى أنه في ظل الحرب الدائرة داخل قطاع غزة المحاصر منذ 16 عامًا وإلى يومنا هذا استخدمت إسرائيل للمرة الأولى غاز الفسفور الأبيض في فلسطين عام 2009 وبعدها عام 2012 و من ثم عام 2014 و الآن في عام 2023 . حيث غطت سحب من الدخان الأبيض الكثيف سماءها مُخفية عن الأنظار ما يحدث تحتها من جحيم، فالقذائف تشعل حرائق في أجواف المباني لا تُطْفَأ، وتولد حرارة عالية وغازات حارقة ممنوعة دوليا.
وقال، إن الحصار الإسرائيلي المستمر على غزة والقصف المتكرر تسبب بإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية للقطاع، ونتيجة لذلك فإن 97 بالمئة من مياهها أصبحت غير صالحة للشرب ولهذا أثر صحي كبير على السكان، حيث أن 26 بالمئة من الأمراض في القطاع ناتجة عن تلوث المياه ما سوف يتسبب بتسرب كمية كبيرة من المياه الملوثة غير المعالجة إلى البحر ما ينذر بكارثة بيئية على شواطئ غزة و تدمير أنظمة الصرف الصحي الذي سينتج عنه مخاطر متعلقة بالصحة مثل انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه، كما أن هناك تأكيدات من كارثة بيئية تهدد وتعمق جراح سكان غزة أطلقتها منظمة الصحة العالمية جراء تفشي أوبئة خطيرة مثل الكوليرا بسبب استخدام المياه الملوثة وروائح الجثث.

وأضاف عيادات، يبدو واضحا أن من خلال عديد النصوص والمواثيق والمعاهدات الدولية التي اقرها المجتمع الدولي لحماية البيئة والموارد الطبيعية أثناء الحروب، وإقرار القواعد المتعلقة بحمايتها وهي على كثرتها، وإقرار المسؤولية الدولية على من ينتهكها والتي كان آخرها اقرار المبادئ التوجيهيـة لعـام 2020 والتي تهدف الى تيسير اعتماد تدابير عمليـة لتقليـل الأثر البيئـي للنـزاع المسلح.

وأكد أن جميع الأعمال التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة تعتبر أفعالا محظورة ومحرمة دوليا وتصنف من جرائم الحرب والإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، وخرقا واضحا للقانون الدولي العام وتفرعاته لإنسانية والبيئية وللمواثيق والمعاهدات والصكوك الدولية، مشيرا الى أن الآثار الكارثية المترتبة على ذلك ستتضح أكثر فأكثر بعد انتهاء النزاع المسلح وهي طويلة الأمد وسوف يدفع ثمنها الناجون من الحرب والأجيال القادمة .
–(بترا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى