قصص وتقارير

ملامح أجساد أطفال فلسطين تعري بشاعة وجه الاحتلال

محمد الفقهاء – بخطوات يحركها الأمل وبيدين بريئتين, الأولى يخرج منها ضياء يتوحد مع خيوط الشمس ليزيد من بهاء القدس المهيبة في ساعات الصباح, والأخرى تسحب حجاب قمر فلسطين الخجول فتشع حجارتها اللؤلؤية إصرارًا كما عرفناها, فالشمس والقمر هنا يجريان لفلسطين وحدها دون سواها.
خالد مراد شتيوي, ابن ال16 ربيعًا, من قرية كفر قدوم شرقي مدينة قلقيلية الفلسطينية, واحد من أطفال فلسطين الذين يتعرضون لعذابات ما يقوم به جنود الاحتلال من قتل وتعمد التسبب بإصاباتهم بإعاقات جسدية، غير ما يتسببون به للأطفال الفلسطينيين من ألم نفسي.
الفتى خالد له ثلاث تجارب رئيسة تكشف الوجه الحقيقي للاحتلال وأدواته, ويقول، إن محنته الأولى كانت قبل خمس سنوات, حينها كان يلعب وأصدقاؤه كرة القدم كأي أطفال في الدنيا, ليتفاجأ أولئك الأطفال بجنود الاحتلال, ركض خالد تدفعه فطرة أي طفل للهروب من وجه الخطر, ولكنه لم يدرك حينها أنه كان يتجه لقدر رسمه المحتل, فقد كان متجهًا لقناص مختبئ, ليطلق الأخير رصاصة متفجرة أصابت فخذه الأيمن. خضع خالد بعدها لعمليتين, نتج عنها قدم أقصر من الأخرى بثلاثة سنتيمترات بعد زرع البلاتين في فخذه وتعطل عن دراسته دام سنة كاملة.
والمحنة الثانية, تمثلت بالاعتقال من قبل جنود الاحتلال, يقول خالد، إنه تعرض لتعذيب نفسي وجسدي, ويؤكد هنا، أن التعذيب النفسي أشد وأقسى, فمشاعر مختلطة سيطرت على طفل جرمه الوحيد، هو لعب كرة القدم مع أقرانه في قريته, لم يكتف الاحتلال بذلك بل فرض على طفل غرامة قدرها 700 دولار أميركي تقريبًا, لتهديده حسب زعمهم أمن المحتل.
أما الثالثة, وليست الأخيرة بحسب خالد, كانت الأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط, ويضيف خالد، أنه تعرض لإصابات عدة بمناطق مختلفة في جسده, خاصة في الصدر, خلفت أضرارًا نفسية أكثر من الجسدية على حد قوله.
ويختتم خالد حديثه, بقوله، أنه يريد حياة طبيعية لا أكثر, ويؤكد قول الشاعر محمود درويش “و نحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا,” ويضيف بعد هذه التجربة المريرة بكلام يخالف المنطق و بلكنته الفلسطينية: “تعودت على هاي الشغلات,” رغم شعوره الطاغي بالظلم وعدم المقدرة على اللعب مع أصدقائه.
ويقول والد خالد, مراد شتيوي, إن كل ما حصل يعود لعدة سنوات خلت, حينما أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على إغلاق الطريق الرئيسي بين قرية كفر قدوم ومدينة نابلس ما أثار حفيظة السكان, وأدى إلى انطلاق احتجاجات أسبوعية هناك, وتعامل وحشي من قبل الاحتلال لقمع المسيرات السلمية في القرية.
ويضيف شتيوي, المعلم في وزارة التربية والتعليم, أنه وسكان القرية لن يستسلموا لكم القمع الهائل الذي يتعرضون له, خاصة الأطفال, مؤكدًا استمرار التظاهر السلمي لحين تلبية جميع مطالب السكان المحليين المشروعة. ويشير أن معاناته ليست فردية, فهناك المئات من أصدقائه, لم يصب أبناؤهم بل فقدوهم, بسبب ممارسات الاحتلال اليومية بحق الفلسطينيين أينما وجدوا, وأهل قريته على وجه الخصوص.
ويقول أنه يتابع باستمرار حالة ابنه الصحية الجيدة على حد وصفه, مؤكدًا تفوق خالد الدراسي رغم كل ما مر به من أحداث, وراجعًا بذاكرته لخمس سنوات خلت بحلوها ومرها, مضيفًا, برباطة جأش عرفت عن أهل فلسطين, أنه سيظل الداعم الأول لابنه خالد مهما طال الزمن.
ورغم كل ما سبق, يؤكد شتيوي أنه سيظل يشارك أسبوعيًا في المسيرات السلمية مهما كلف الأمر, مشيرًا إلى أن كل الأثمان التي قد تدفع تعتبر رخيصة في سبيل الحرية, والكرامة.
وينهي الأب الفخور بابنه خالد, ويقول إن خالد سيظل متفوقًا في دراسته, ووفيًا لأرضه, وسيشارك بكل المسيرات السلمية معه, حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
الدكتور فتحي فليفل, وهو معالج نفسي للأطفال الذين يتعرضون لإعاقات بسبب الاحتلال, يصف الأثر النفسي ويقول، إنه يلاحظ على هذه الفئة من الأطفال احساسهم بضياع المكان, فهم فقدوا الشعور بامتلاكه, نتيجة تعرضهم لشتى صنوف التنكيل الجسدي والنفسي.
ويضيف, أن ما يتعرضون له يعيق قدرتهم على النظر للمستقبل ويشوه مفهوم بناء الأمل, وحتى جدوى الاستمرار بالحياة.
وفيما يتعلق بالتحصيل الأكاديمي لهذه الفئة, يؤكد فليفل، فهو يتراجع لأنه يحتاج في الظروف الطبيعية للراحة, والطمأنينة, وفي حالة هؤلاء الأطفال تنتفي هذه المتطلبات الأساسية لتحصيل أكاديمي جيد. التوتر, والتركيز, يقول فليفل يتناقص لهذه الفئة, فهم في حالة قلق دائم لما عانوه من تجارب لا يحتملها الكبار, فكيف لأطفال, أو أحداث لم يتجاوزوا ال18 من العمر.
ويشير إلى نتيجة خطيرة, وهي الأمية, فقد لاحظ فليفل على بعض طلبة الصف الخامس والسادس الابتدائي في كفر قدوم أنهم لا يجيدون القراءة, والكتابة, مما يوجد جيلاً محطماً أكاديميًا, ونفسيًا, وجسديًا.
وتظهر نتيجة أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها, بحسب فليفل, وهي القاموس اللغوي لدى هذه الفئة من الأطفال, مضيفًا أنهم يفقدون قدراتهم, ورغبتهم في التعبير, وهذا يؤثر على مهاراتهم اللغوية اللازمة لأي طفل طبيعي. ومن النتائج الأخرى, عدم الرغبة بممارسة الأنشطة اللامنهجية, وفقدان حس الفكاهة, ما جعلهم يتحولون من أطفال طبيعيين إلى أشخاص أكبر سنًا, بسبب ما تعرضوا له من أهوال غيرت ملامحهم النفسية إلى حد كبير ومخيف, بحسب فليفل. مدير الإسعاف والطوارئ في قلقيلية, منذر نزال, يقول، إن هناك تصنيفين رئيسيين للإصابات, وهما أكبر من 16 سنة وأقل من 16 .
ويضيف, أن إحصائية شهر كانون الأول الحالي لغاية الثامن والعشرين، بلغت 135 إصابة فوق 16 و 38 أقل من 16, مضيفًا أن هذه الحالة مستمرة منذ سنوات عديدة, تقريبا 10 سنوات.
ويضيف، أن هناك 112 إصابة أكبر من 16 سنة بسبب قنابل الغاز, فيما 34 إصابة أقل من 16 لنفس السبب, أما الرصاص المطاطي فقد نتج عنه 18 إصابة أكبر من 16, و 4 إصابات صنفت تحت بند “أخرى” أقل من 16.
وفيما يتعلق بالأخرى, أي حرق ناتج عن الإمساك بقنبلة غاز, أو الوقوع أثناء الهروب, أو ما ينتج عن نيران صديقة, يقول نزال، أنها بلغت 4 إصابات خلال الشهر الحالي. هذه الإحصائية فقط في قرية فلسطينية ولمدة شهر فقط, فكيف بفلسطين كلها التي تعاني منذ أكثر من 70 سنة من الاحتلال ووجوهه المتعددة, فسبعة عقود كافية لتكشف عن الوجه الحقيقي للمحتل وممارساته اليومية بحق شعب أعزل.
بترا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى