مقالات

نعمة لا تحولها لنقمة!

عبدالله خازر

“تــكلم وأنـــت غاضــب.. فســتقول أعظم حديث تندم عليـــه طوال حياتك”، إن لم تكن تحتكم للعقل ولغته، ذاك المخلوق العجيب الذي كرم الله به الإنسان على سائر المخلوقات، لقوله تعالى: }ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا{.

وهبنا المولى عز وجل العقل للتفكير بما حولنا من آيات تدل على عظمة الخالق أولًا، ومن ثم الوصول إلى حقيقة وجودنا في هذه الحياة العابرة، وهي عبادة الرحمن والإقرار بعبوديته طوعًا أو كرهًا، تصديقًا لقوله تعالى: }وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون{.

فالعقل أمانة حملها الإنسان، به يحاسب ويثاب وفقًا للسلوك الذي اختاره، فهو ملكة الإدراك والتفكير والإبداع، وقد اختلف العلماء في ماهيته اختلافًا لا يتسع المقام للخوض فيه، ونترك الأمر لأهل الخبرة والاختصاص.

المحزن أن تكرس عقلك -تلك الآلة العظيمة، التي تحوي ملايين الخلايا، لا يعلمها إلا من خلقها- في التفكير بأمور آنية ودنيوية ضيقة، أمرها محسوم سلفًا قبل أن تخلق، وهي خارج قدرتك وأرادتك أصلًا، لا دور للعقل فيها، فلا تتعبه وتستهلكه في قضية العيش، وتشغل بالك في كسب المال والتخطيط لذلك.

أرحمه وأرحم نفسك، لم يعط لنا للتفكير بهاتين القضيتين فقط، فالرزق على الله وحده، }وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها{، فتحصيله ليس بالذكاء والخبرة وما شابه ذلك، إنما هبة من رب العالمين، والمطلوب هو الجد في طلبه، }ولو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتعود بطانًا{، فيا عزيزي دع عقلك يتدبر ما خلق من أجله، ويمعن في الظواهر الكونية العظيمة.

إذا لم تعلم إلى أين تذهب؟، فكل الطرق ستؤدي بك إلى الهاوية، لذا ننصحك بعدم الالتفات لما ينطق به البعض من مسميات ما أنزل بها من سلطان، فتارة نسمع بالتفكير الإيجابي، وتارة السلبي، وتارة التقليدي، وتارة أخرى النقدي….الخ، جميعها لا تسمن ولا تغني من الجوع، والمعرفة هي السبيل الوحيد إلى الإيمان بالله، ولا تتأتى ألا من خلال العقل، فلا تحوله من نعمة إلى نقمة.

أنت تفكر، هذا أمر حسن وطبيعي، وحبذا لو نفكر جميعًا، ولكن إياك والتفكير في سفاسف الأمور، وبكل صغيرة وكبيرة، وشاردة وواردة، فلن تستطيع إيقاف ذلك مستقبلًا، ورتب أمور ونمط حياتك، وأشعر بما حولك وبنعمتها ولذتها، وأشكر الله على هذه النعم.

باختصار، كانت هذه ردود الأفعال على تساؤلات طرحتها حول التفكير ودلالاته، علّنا نساعد أنفسنا في ترتيب أمور حياتنا، فجاءت مغايرة تمامًا لم كنت أفكر به، وقلبت فكرة المقال 360 درجة، حيث فكرت به بعد مقطع صوتي وصلني من أحد أبناء العمومة عندما سألته عن أمر ما، فقال: (سأفكر لاحقًا، الليلة لدينا اجتماع، وهو مناسب للتفكير، سأكون حاضرًا شخصًا في الاجتماع، ولكن عقلًا في الإجابة، سأدع المجتمعين وشأنهم، وسأفكر في الرد عليك قريبًا).

المقطع، أثار حماسي ودفعني لإعداد قائمة مطولة من الأسئلة، كانت على النحو التالي: ما التفكير؟، ما فائدته؟، لماذا نفكر أصلًا وبما؟، ما هي مجالاته وحدوده؟، ما هو المسموح والمحظور منه؟، هل التفكير مطلبًا حياتيًا وشرعيًا؟، كيف؟، ومتى؟، وأين نفكر؟، هل سبق لك أن فكرت؟، ما النتيجة؟، هل تخجل من قول دعوني أفكر؟، هل تتخذ مواقفك وقرارتك بناء على تفكيرك أم ارتجاليًا؟، هل تحسب عواقبها؟، من وجهة نظرك ما مدى صحة هذه العبارة “من المخجــل أن يتعثـــر المرء مرتيــن بالحجــر نفــسـه”؟، هل للتعثر علاقة بالتفكير؟، ما هي حدود إمكانياتك للتفكير؟، هل تخجل من نفسك والآخرين عندما تكتشف أنك تسير في طريق خاطئ؟، هل أنت مستعد أن تعود أدراجك؟، لماذا يقال أعــلم الناس أكثرهم دراية بجهله وأجهل الناس أكثرهم تباهيًا بعلــمه؟، ما قولك لمن ينصحك بقوله “تريـد أن تـهرب من النقـد لا تتكـلم.. لا تعــمل”؟، هل تؤمن بمقولة الذين ولدوا في العواصــف لا يــخافون الريــاح، أم أن الإنسان بفطرته ميال للخوف؟.

الإجابات -كما ذكرت سابقًا- أتت بما لا تشتهي السفن، فما كان مني إلا أن آمنت وسلمت، وقلت كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: “أرضى وأسلم”، فالمؤمن يؤمن ولا يشك، والكافر يجحد، والمنافق يشك ويرتاب، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم إيمانًا صادقًا ويقينا لا شك فيه، وأن يلهمنا الحكمة في القول والعمل، ويجعلنا من أهل الفلاح والصلاح في الدنيا والآخرة.

ختامًا، العقل هو من أوكل الله إليه فهم قضايا الحياة، بما فيها مسائل الدين والإيمان، وقد ذكرت كلمة “يعقلون” في 22 أية، وكلمة “يتفكرون” في 11 أية، وكلمة “يتدبرون” مرتين، فهل نعقل ونتفكر ونتدبر؟، الجواب عندك يا صاحبي.

مستشار إعلامي

[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى