البيئة السليمة حق تنمويّ انسانيّ
22 الإعلامي- د. فريال حجازي العساف
أشارت العديد من الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التي اجرتها مؤسسات دوليةذات أختصاص الى تأثيرات جائحة كوفيد -19 على الانظمة الاقتصادية والاجتماعية ، وخلصت بعض نتائجها الى أننا في المنطقة العربية مقبلين على ازدياد مضطرد في معدلات الفقر والبطالة والمجاعة ،اذ سيضاف الى العدد الموجود ما يقارب ثمانية مليون فقير إضافة الى خسارة ما يقارب اثنان مليون لوظائفهم الحالية وادراجهم على قائمة العاطلين عن العمل، و تأثر اقتصاد المنطقة وتراجعه سيَما في القطاعات غير المنظمة التي يتم الاعتماد عليها بنسبة 85% من إجمالي الناتج ، بمعنى انَ تدعيات الفيروس التاجي المستجد ستكون اكثر تاثيراً على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
واليوم في الخامس من حزيران يحتفل العالم باليوم العالميّ للبيئة إذ يُقام هذا اليوم سنوياً منذ عام 1973، لتسليط الضوء على أهمية التوعية والتثقيف بالأبعاد البيئية وعلاقتها بالأهداف التنموية المستدامة و لما له من أهمية بالغة خصوصاً بعد انتشار جائحة كوفيد -19 التي كان لها عواقب كارثية مهددة باختلالات جلّية في النظام البيئي وارتباطها الوثيق بالتغيّر المناخيّ؛ يركز موضوع يوم البيئة العالمي لعام 2022 على إحداث التغيير في أسلوب معيشة الانسان على كوكب الأرض أذ يحمل شعار ” لا نملك سوى أرض واحدة ” مما يسلط الضوء على الحاجة إلى العيش بشكل مستدام عن طريق إحداث تغييرات تحويلية من خلال السياسات نحو أنماط حياة أنظف وأكثر مراعاةً للبيئة .
يعتبر الحق في بيئة سليمة أحد حقوق الانسان للجيل الثالث و المعترف به في عدد من المواثيق الدولية والاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف ذات الصلة والإجراءات الخاصة وهيئات المعاهدات وغيرها من الجهات الدولية صاحبة المصلحة الا انّ هذا الحق شهد تطورا في عام 2021 من خلال أعلان مجلس حقوق الإنسان أن التمتع ببيئة نظيفة وسليمة ومستدامة يعد حقا من حقوق الإنسان بقراره رقم 13/48 الذي دعا الى إعمال هذا الحق على أرض الواقع وتمكين العالم من الاستفادة منه كباقي حقوق الإنسان الكونية من خلال اعتماد ذلك القرار على عدد من العناصر الرئيسية لتحديد العلاقة بين حقوق الانسان والبيئة على النحو الاتي :
(أ) تحديد الحق في البيئة السليمة كأحد الأهداف الرئيسية لأهداف التنمية المستدامة في تحقيق الرفاه للإنسان والتمتع بحقوقه .
(ب) تحديد الاثار والأضرار البيئية المباشرة وغير المباشرة التي تؤثر على تمتع الانسان بحقوقه الأخرى سيما الحق في السكن والحق في الصحة والحق في الحياة نتيجة الاضرار البيئية
(ج) ان للعديد من اشكال الضرر البيئي ذات طبيعة عبر وطنية وبالتالي فأن التعاون الدولي الفعاّل للتصدي لهذه الاضرار يكتسي أهمية في دعم الجهود الوطنية والدولية الرامية الى إعمال حقوق الانسان
على الصعيد العربي شهد شهر آذار من هذا العام الاحتفاء باليوم العربي لحقوق الانسان بوصفه حدثاً حقوقياً متميزاً وأداة معيارية للدول العربية في تقييم وتقويم أوضاع حقوق الإنسان في الدول العربية، فضلاً عن استجابته المطلقة للخصائص التاريخية والثقافية للمنطقة العربية. وانّ تلك الاستجابة ركزت على التحديات التي تواجهها الإنسانية حالياً، والمتمثلة في تحديات ثنائية البيئة والمناخ، فقد تم اختيار شعار “الحق في بيئة سليمة مع تحديات التغير المناخي”
أن المتطلب الاساسي في هذا الوقت اجراء الدراسات الاقتصادية باعتبار النظام البيئي النظام الاعلى والاقتصاد النظام التابع له. أما البعد الاقتصادي، فهو الجزء المفصلي في نطاق ما يتضمّن من إعادة تنظيم للحياة اليوميّة وإعادة هيكلة الاقتصاد على كل المستويات وفي كل القطاعات، أي في كل دوائر الإنتاج والتوزيع والإستهلاك. والمحور الأساسي هو رفض آليات السوق في تحديد الأسعار والإنطلاق من الأسعار الحقيقيّة، فعلى الإنتاج إستعمال المواد القابلة لإعادة التكوّن، وعلى التوزيع أن لا يثقل كاهل النظم الإيكولوجيّة، وعلى الاستهلاك أن لا يبقى كعمليّة تدمير للمنتوجات، فلا شيء يزول ولا شيء يضيع، كل شيء يصبح مصدر ثروة وتتطلب التنمية المستدامة تحسين ظروف المعيشة لجميع سكان العالم من دون زيادة استخدام الموارد الطبيعية إلى ما يتجاوز قدرة كوكب الأرض على التحمل. وفي حين أن التنمية المستدامة قد تستلزم إجراءات مختلفة في كل منطقة من مناطق العالم، فإن الجهود الرامية إلى بناء نمط حياة مستدام حقًا تتطلب التكامل بين الإجراءات المتخذة في ثلاثة مجالات رئيسة:
أولاً: بناء نهج متكامل قائم على تكاملية العلاقة بين النمو الاقتصادي والعدالة، لضمان عدم تخلف أي دولة أو مجتمع.
ثانياً: حفظ الموارد الطبيعية والبيئية من أجل الأجيال القادمة، من خلال إيجاد حلول قابلة للاستمرار اقتصاديًا للحد من استهلاك الموارد، وإيقاف التلوث، وحفظ المصادر الطبيعية.
ثالثاً: التنمية الاجتماعية، حيث أن جميع شعوب العالم بحاجة إلى العمل والغذاء والتعليم والطاقة والرعاية الصحية والماء. وعلى المجتمع العالمي أن يكفل أيضاً احترام النسيج الثري الذي يمثله التنوع الثقافي والاجتماعي، واحترام حقوق العمال، وتمكين جميع أعضاء المجتمع الانسانيّ من أداء دورهم في تقرير مستقبلهم وعدم ترك أحد في الخلف.
د. فريال حجازي العساف