
22 الاعلامي – بقلم الدكتورة جمانة حطاب
قال المفكر الراحل الدكتور محمد شحرور في سياق حديثه عن النص القرآني أن “المعرفة أسيرة أدواتها”، مشيرًا إلى أن فهم النصوص الدينية وتفسيرها يرتبط بالأدوات المعرفية المتاحة لكل عصر. إن هذه العبارة التي أطلقها في إطار دعوته لإعادة قراءة النصوص وفق المعارف والأدوات الحديثة تتجاوز كونها مقولة عن النص الديني لتصبح عدسة يمكن من خلالها فهم كثير من أزماتنا الحالية، ليس فقط في الفكر، بل في حياتنا الاجتماعية، والسياسية، والتعليمية.
فكما أن الأجيال السابقة استعملت أدواتها المعرفية لتفسير النصوص بما يتناسب مع زمانها، فإن واقعنا الحالي يعاني من أزمة كبرى تتجلى في قصورنا عن مواكبة أدوات المعرفة المعاصرة. ولا يخفى أن أي تقدم معرفي يعتمد على أدوات حديثة وبنية تحتية قوية. لكننا مع الأسف، نعاني من غياب الاستثمار الحقيقي في أنظمة تعليمية متطورة، أو مراكز أبحاث فعالة، أو تكنولوجيا حديثة. ولأن الأدوات هي الوسيلة الفضلى لتحرير المعرفة، فإن هذا النقص يجعلنا عاجزين عن تحويل المعرفة النظرية إلى قوة تدفعنا إلى الأمام.
إضافة إلى ذلك، فإن الخلافات والانقسامات التي تعصف بمجتمعاتنا؛ تعيق توجيه الطاقات نحو تطوير أدوات المعرفة، فبدلًا من أن تكون أولوياتنا مرتكزة على بناء المستقبل، نجد أنفسنا غارقين في نزاعات تُبدد الإمكانات المتاحة. وهنا يتضح أن المعرفة، مهما بلغت من عمق وأهمية، لن تُثمر إذا كانت البيئة المحيطة بها مضطربة وغير داعمة.
وفي عصر التكنولوجيا والتحول الرقمي، تتجلى عبارة “المعرفة أسيرة أدواتها” بشكل أوضح. ففي حين أن العالم يشهد قفزات هائلة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة، نجد أنفسنا متأخرين، ليس بسبب نقص العقول المبدعة، ولكن بسبب غياب الأدوات اللازمة لتمكين هذه العقول. وهكذا، تبقى المعرفة مقيدة وغير قادرة على المنافسة عالميًا.
وجدير بالذكر أن المعرفة ليست أسيرة الأداة فقط، بل أسيرة غياب الرؤية الموحدة أيضًا. ورغم هذا الواقع المؤلم، نجد أن الوضع غير ميؤوس منه تمامًا . فإذا استطعنا تجاوز خلافاتنا، ورسمنا خطة واضحة للاستثمار في أدوات المعرفة، فإننا سنحظى بفرصة حقيقية لتحرير المعرفة من قيودها، وتحويلها إلى رافعة تقودنا إلى مستقبل أكثر إشراقًا.
وختامًا؛ فإن المعرفة، مهما كانت عظيمة، تظل عديمة الأثر إن لم تُحرَّر بأدوات متطورة وبيئة حاضنة. وما دمنا ندرك ذلك، فإن الحل يبدأ من الاستثمار في أدوات المعرفة، والعمل على رؤية موحدة تُحوّل هذه المعرفة إلى قوة حقيقية تعيدنا إلى مصاف الأمم المتقدمة.
