الدكتور زيد ربابعة يكتب : تجميد الضوء وتحويله إلى مادة صلبة وسائلة في آنٍ واحد: اكتشاف علمي غير مسبوق

22 الاعلامي – بقلم : الدكتور زيد ربابعة
في إنجاز علمي غير مسبوق، تمكن علماء الفيزياء للمرة الأولى في التاريخ من “تجميد” الضوء وتحويله إلى حالة مادية جديدة تُعرف باسم “السائل الصلب” أو المادة فائقة الصلابة (Supersolid). نُشرت تفاصيل هذا الاكتشاف مؤخرًا في بحث علمي رائد، وهو ما قد يُحدث تحولًا جذريًا في فهمنا للكون وطبيعة الضوء ذاته.
كيف يمكن للضوء، وهو كيان غير مادي، أن يتجمد؟
لفهم هذه الظاهرة، لا بد من الإشارة إلى أن الضوء يتكون من جسيمات تُعرف بالفوتونات، وهي عديمة الكتلة بطبيعتها. غير أن العلماء تمكنوا من إدماج الضوء مع المادة بآلية فيزيائية معقدة، مما أدى إلى تكوين حالة مادية تجمع بين خواص المواد الصلبة والسوائل في الوقت ذاته.
ما هي المادة فائقة الصلابة؟
تُعرف المواد فائقة الصلابة بأنها مواد تمتلك بنية بلورية صلبة، حيث تكون ذراتها مرتبة بشكل منتظم، لكنها في الوقت ذاته تتدفق كالسائل دون أي احتكاك داخلي، وهو ما يُعرف بظاهرة “انعدام اللزوجة” (Zero Viscosity).
بخلاف السوائل التقليدية التي تمتلك معامل لزوجة معين، فإن المواد فائقة الصلابة قادرة على التدفق دون أن تترك أي أثر أو تواجه مقاومة من الوسط المحيط، وهو ما يجعلها شديدة الغرابة مقارنة بالمواد المعروفة في الفيزياء التقليدية.
كيف يتم إنتاج هذه المواد؟
لإنتاج المادة فائقة الصلابة، يتم تبريد المواد إلى درجات حرارة تقترب من الصفر المطلق (-273 درجة مئوية)، حيث تبدأ التأثيرات الكمية بالظهور، مما يؤدي إلى تغييرات جوهرية في سلوك الذرات داخل المادة، محولةً إياها إلى حالة مادية جديدة تمتلك خواص مزدوجة بين الصلابة والسيولة.
في بعض الحالات، كما هو الحال مع الهيليوم فائق السيولة، يؤدي هذا الانخفاض الشديد في درجة الحرارة إلى ظواهر مدهشة، مثل تسرب السائل عبر الجدران الصلبة أو تدفقه إلى أعلى بفعل التأثيرات الكمية.
كيف تمكّن العلماء من تحويل الضوء إلى مادة فائقة الصلابة؟
في السابق، كانت المواد فائقة الصلابة تُصنع من الغازات الذرية. إلا أن الباحثين في الدراسة الحديثة تمكنوا لأول مرة من إنتاجها باستخدام الضوء ذاته، وذلك من خلال آلية مبتكرة تعتمد على تكوين جسيمات هجينة تُعرف باسم “البولاريتونات” (Polaritons)، والتي تمتلك خصائص مزدوجة تجمع بين الضوء والمادة.
- في الخطوة الأولى، قام العلماء بتسليط شعاع ليزر مركز على مادة تُدعى زرنيخيد الغاليوم، مما أدى إلى تفاعل الفوتونات مع الإلكترونات داخل المادة.
- أسفر هذا التفاعل عن نشوء جسيمات البولاريتون، وهي كيانات تجمع بين الضوء والمادة، حيث تتصرف كجسيمات مستقلة رغم أنها ليست جسيمات مادية بالمعنى التقليدي.
- باستخدام عمليات توجيه دقيقة، تمكن العلماء من التحكم في هذه البولاريتونات، مما أدى إلى إنتاج مادة فائقة الصلابة تتكون جزئيًا من الضوء ذاته.
ما أهمية هذا الاكتشاف؟
لا يقتصر هذا الاكتشاف على كونه إنجازًا علميًا نظريًا، بل إنه يفتح آفاقًا واسعة لتطبيقات مستقبلية، منها:
- تحسين تقنيات الحوسبة الكمّية: حيث يمكن أن يسهم هذا الاكتشاف في تطوير حواسيب كمّية أسرع وأكثر كفاءة من تلك المتوفرة حاليًا.
- تطوير الموصلات الفائقة: إذ يمكن أن يساعد على إنتاج مواد قادرة على نقل الكهرباء دون فقدان الطاقة.
- تحسين تقنيات التشحيم الصناعي: عبر تطوير مواد ذات احتكاك معدوم، مما يُحدث ثورة في الصناعات الميكانيكية مثل صناعة السيارات والطائرات.
- مجالات أخرى غير مكتشفة بعد: إذ إن تطبيقات هذا الاكتشاف لا تزال قيد الدراسة، وقد تقود إلى تطورات غير متوقعة في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية.
أين موقع العالم العربي من هذه الاكتشافات؟
يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن الباحثون في العالم العربي من المساهمة في مثل هذه الاكتشافات؟ أم أننا سنظل مستهلكين للتكنولوجيا دون المشاركة في تطويرها؟ إن الاستثمار في البحث العلمي ودعم مراكز الأبحاث قد يكون الخطوة الأولى نحو اللحاق بركب التطور العلمي والمساهمة في مثل هذه الاكتشافات الرائدة.