
22 الاعلامي- بقلم: ديما يوسف المجالي
وسط زحمة النقاشات العامة التي لا تهدأ في الأردن، برزت على السطح قضية أثارت الكثير من الجدل مؤخرًا، بعد اقتراح تعديل على المادة الرابعة من قانون اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، بإضافة عبارة: “مع مراعاة الشريعة الإسلامية ومبادئ المجتمع وقيمه العليا”.
قد تبدو الجملة عابرة في ظاهرها، لكنها فجّرت نقاشًا عميقًا تجاوز القانون إلى صميم الهوية المجتمعية، والحقوق، والنوايا التي قد تُخبّئها العبارات الفضفاضة.
بدأ الأمر بإدخال عبارة “مع مراعاة الشريعة الإسلامية”، قبل أن يُعاد صياغتها لتصبح “حماية المرأة من جميع أشكال التمييز”، وهنا انقسم الرأي العام بين من اعتبر الإضافة تحصينًا للهوية الدينية، ومن رأى فيها مدخلًا لتقييد حقوق المرأة عبر نص فضفاض يفتح الباب للتأويل.
الرافضون للإضافة تساءلوا: لماذا نذكّر بالشريعة إذا كان القانون لا يخالفها أصلًا؟ هل يعني ذلك أن اللجنة كانت تعمل خارج هذا الإطار طوال سنواتها؟ أم أن العبارة ستكون بمثابة “زر طوارئ” يعاد عبره توجيه السياسات النسوية إلى مسارات أكثر تحفظًا؟ هذا القلق ليس نظريًا فقط، فالتجربة تقول إن غموض العبارات يمنح البعض فرصة لاستخدامها كأداة ضغط أو عرقلة مستقبلًا.
كما أشار بعضهم إلى إشكالية التفسير: الشريعة ليست كتلة واحدة صلبة، بل تتعدد فيها الآراء والمذاهب، فهل سيتم الاحتكام لرأي واحد؟ ومن يقرر؟ هل ستكون هناك هيئة دينية لها سلطة تفسير القانون؟ وإذا اختلفت التفسيرات، كيف سنحسم الجدل؟
من جانب آخر، جاء الرد من الفريق المؤيد: إن العبارة لا تُقصي المرأة، بل تحمي القيم العامة وتمنع تمرير أي تشريعات تمس بثوابت المجتمع، بل إنهم اعتبروا الإضافة انسجامًا مع الدستور الذي ينص أساسًا على أن الإسلام دين الدولة، والبعض رأى فيها ضمانة ضد أي انحراف محتمل، بل وحتى وسيلة تهدئة لقطاعات من المجتمع ترى في بعض المطالب النسوية تهديدًا لهويتها.
لكن السؤال الذي يظل معلقًا في وجه المؤيدين: من يملك سلطة تفسير “مراعاة الشريعة”؟ ما حدودها؟ وكيف نضمن أن لا تُستخدم هذه العبارة لاحقًا كأداة لإقصاء مكتسبات تحققت بجهود نسوية على مدى عقود؟
وعلى الطرف الآخر، لا يخلو طرح المعارضين من ثغرات، فما المقصود فعلًا بـ”جميع أشكال التمييز”؟ هل لدينا الآليات العملية لرصد هذه التمييزات؟ ومن الجهة التي ستُناط بها مهمة الحماية؟ وكيف ستحافظ اللجنة على سلطتها في حال تحوّلت إلى جهة أهلية لا تخضع مباشرة لمظلة حكومية؟
وما بين هذا وذاك، تجد اللجنة الوطنية لشؤون المرأة نفسها في وضع لا تُحسد عليه، تُطالَب بالحفاظ على روح القانون، والدفاع عن حقوق النساء، دون أن تصطدم مع خطاب ديني قد يُستخدم أحيانًا كأداة ضغط سياسي أو اجتماعي.
وفي الحقيقة، لا تكمن الإشكالية في العبارات ذاتها، سواء كانت “مراعاة الشريعة الإسلامية” أو “حماية المرأة من جميع أشكال التمييز”، بل في النوايا التي قد تتوارى خلفها، فالشريعة، في جوهرها، قائمة على مبادئ العدل والرحمة والكرامة، ولا أحد يعارضها من حيث المبدأ، لكن القلق المشروع ينبع من احتمال إساءة تفسيرها أو توظيفها مما يضع المرأة في موقف دفاعي لحماية مكتسباتها من التراجع تحت عبارات غامضة قد تستخدم ك”مكبح طوارئ” يعرقل التقدم في ظل التغييرات المستمرة في المجتمع.
وعلى الجانب الآخر، تبدو عبارة “حماية المرأة من التمييز” جذابة ومطمئنة، لكنها قد تتحول إلى شعار إنشائي لا قيمة له إذا لم تُقرَن بتعريف واضح، وآليات رقابة ومحاسبة فعلية، فليست المشكلة في الألفاظ، بل في كيفية استخدامها، وفيمن يملك حق تفسيرها وتطبيقها، فهذه العبارات الفضفاضة، قد نجد أنفسنا فجأة في موقع الدفاع عن حقوق ومكتسبات تم انتزاعها بنضال طويل، بدل أن نكون في موقع المطالبة بالتقدم والمزيد من الإنصاف.
ويبقى السؤال العالق: هل نحن على أبواب مراجعة شاملة للخطاب القانوني المرتبط بالمرأة، أم أننا أمام موجة صامتة من التراجع التدريجي؟ الأيام القادمة ستُجيب، لكن ما نعرفه جيدًا أن المرأة الأردنية أثبتت وعيًا عاليًا، وهي قادرة على قراءة ما بين السطور، وعلى الدفاع عن مكانتها، ورفض أي نص يُقصيها أو يُصادر حقها، حتى لو كُتب بأجمل العبارات.