22 الاعلامي – بقلم د. منيرة جرادات
لقد أكدّت مقابلة سمو ولي العهد مع قناة العربية على أن وطننا بخير ومستقبله بأيدي أمينة، وأن العائلة الهاشمية ولاّدة مُنتِجة للقادة العظام الذين يسيرون على درب أجدادهم وآبائهم من بني هاشم الغُرّالميامين، الذين ما ساوموا يوما على مبادئهم والذين ما حكموا أبداً إلا بالعدل. لقد كان سموه مُقنعِا بتلقائية مُتميزة ومُتمكناً بثقة ومُتفائلًا بوعي ومُقدراً في الوقت ذاته لحجم التحديات التي تواجه الوطن وسُبل التعامل معها. والحقيقة أن هذه المقابلة حملت الكثير من الرسائل الهامة للخارج والداخل والتي لا يمكن الإحاطة بها بمقالة واحدة. لكن أرى أن من أهم الرسائل التي إنطوت عليها هذه المقابلة هي الرسائل المهمة التالية.
أولا: من أهم الرسائل الموجهة للخارج هي تلك المُتعلقة بتأكيد سموه على أن السلام الحقيقي في النهاية هو بين الشعوب، وأن الشعوب العربية والإسلامية إذا لم تقتنع بأنه تم تلبية حقوق الشعب الفلسطيني فإنها لن تؤمن بالسلام مع إسرائيل ولن تقبل بإقامة علاقات طبيعية معها. إن هذه الرسالة من البلاغة بحيث يجب على العالم بأسرة وعلى إسرائيل وقادتها بخاصه أن تتأكد من أن التطبيع من أجل التطبيع لا قيمة له، وأن إسرائيل إن ارادت فعلاً العيش بسلام، فإن عليها الاعتراف بحق الفلسطينيين بإقامة دولتهم وعلى أرضهم والتمتع بكافة حقوقهم. وهذه الرسالة مدعومة بالإجماع العالمي والعربي الذي انعكس في مبادرة السلام التي أطلقتها السعودية والتي أُعتُمِدت في قمة بيروت عام 2002.
ثانيا: الرسالة الأخرى المُوجّهة للخارج هي تعبير سموه عن شعوره بالغضب والصدمة والألم لما يحدث في غزة. والحقيقة أن هذا الشعور وإن عبّرعنه سموه بنفسه، فإنه يُمثل شعور جميع الشرفاء في هذا العالم وشعور كل مسلم وعربي وأردني. وضمن هذه الرسالة، فإن سموه يعتقد أنه من غير المعقول ان العالم بأسره غيرقادرعلى وقف المأساة والمذبحة التي تحدث في غزة، مؤكداً ان هذا الخُذلان العالمي، قاد الشعوب في منطقتنا الى فقدان الثقة بالمجتمع الدولي ومصداقيته، وهم بذلك على حق.
ثالثا: أما الرسالة الثالثة والمُوجّهة للموالاة والمعارضة في بلدنا تتعلق بما أكدّه سموه بذكاء أن المُغالاه في الموالاة والتشددّ بها لا يخدم الوطن وأن المعارضة التي تنتقد السياسات والبرامج تبقى وطنية بالكامل. وهنا، فقد أكدّ على أهمية التنوع في وطننا الذي يُثّري المسيرة، موضحاً أن النقد البناء مفيد ويصُبّ في مصلحة الوطن، مُشيراّ الى أنه ضد وصمْ الناس بناءً على آرائهم إذا كانت هذه الآراء واقعية ومدروسة ومنطقية. ولقد اختتم سموه هذه الرسالة بالتأكيد على أن ما ينقصنا اليوم هو الحوار البنّاء والمُثمر حول التحديات التي تواجهنا مثل الاقتصاد والتعليم والصحة وحول البرامج والسياسات لمواجهتها بصرف النظرعمن يشارك في هذا الحوار سواء كان معارضا أوغيره.
رابعا: في رسالة أخرى، أكدّ سموه أن الأردن استطاع التغلب على التحديات الجسام التي واجهته خلال الخمسة وعشرين سنة الماضية والتي كان معظمها خارجا عن إرادته، موضحاً أن الأردن خرج من هذه التحديات بسلام وقوة ومنعة. ولقد عزى سموه ذلك إلى وعي الشعب الأردني وقوة مؤسسات هذا الوطن وحكمة قيادته ورؤيتها الثاقبة وبُعدِها عن الانفعال والمزاجيّة. وهنا، بيّن سموه أن ما ساعدنا على الخروج من هذه الأزمات ومواجهتها هو تماسك الأردنيين الذين يقفون مع بعضهم البعض ويؤكدون أننا أمة واحدة على الرغم من وجود الكثير من الهويات الفرعية التي في النهاية تنطوي جميعها تحت المظلة الأساسية وهي الهوية الأردنية. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تحديدا، فقد أكدّ سموه أنه وعلى الرغم من الكُلف السياسية أوالإقتصادية التي ندفعها، فإننا سنستمر بالقيام بدورنا تجاه الشعب الفلسطيني وأن أولويتنا تبعا لذلك هي المحافظة على أمن وإستقرار بلدنا، لأن الأردن القوي هوالقادرعلى الدفاع عن القضية الفلسطينية والمؤهل ليكون السند الفعليّ للشعب الفلسطيني.
خامسا: ومن الرسائل الأخرى التي حاول سموه إيصالها هي ثقتة العالية في المستقبل، حيث أكدّ أنه على قناعة بأن الجيل الجديد من شباب هذا الوطن قادرعلى البناء على ما تم تحقيقه وأن لديهم المهارات والعقول لتحقيق ذلك. وبثقة متناهية، أكدّ سموه أن الأردن صمد في الماضي ولا يزال وسيبقى صامدا، مُختتماً حديثه في هذا الجانب على أنه يرى الخير والأمل في عيون الناس وأنه يحمد الله على ذلك، مؤكدا أنه متفائل ومؤمن أن الأردن سيكون مكان أفضل، مُضيفاً أنه على الرغم من شُحّ الموارد الطبيعية إلا أن الأردن غنيّ بالموارد البشرية وهذا هو الأهم.
سادسا: وعلى الجانب الشخصي وجه سموه رسالة رقيقة للأبناء وعلاقتهم بأهلهم، حيث أشارالى أن الشخص لا يدرك المجهود الكبير الذي يقدمه الأهل إلاعندما يكبر، مُسجلاً الدعم والتشجيع الذي تلقاه من جلالة والده عندما كان يمر بأمور صعبة وخاصةً خلال خدمته العسكرية في أكاديمية ساندهيرست. وفي الوقت ذاته، ثمّن سموه دور جلالة والدته في متابعة شؤونهم خلال الدراسة ومساعدتهم في حل الواجبات ومتابعة أدق تفاصيل حياتهم اليومية، حيث كانت جلالتها تذكرنا بإستمرار بأن لا نغتر بأنفسنا.
ختاما فإن هناك الكثير من الرسائل الأخرى التي لا تقل أهمية عن هذه الرسائل والتي عكست بمجملها ثقة سموه بالنفس والجرأة في الطرح والشجاعة في قول الحق والحكمة والاتزان والتفائل المقرون بالوعي بالتحديات وطرق مواجهتها، علاوة على الأمل بالمستقبل الأفضل.