مقالات
أخر الأخبار

سلهب تكتب : عرض رواية “الشوك والقرنفل”

22 الاعلامي – بقلم: د. آلاء سلهب التميمي

تأتي رواية “الشوك والقرنفل” للكاتب والقائد الفلسطيني الشهيد يحيى السنوار كشهادة حيّة تنقل تجربة إنسانية وسياسية عميقة، كتبت تحت وطأة الأسر في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

وليست الرواية مجرّد عمل أدبي، بل هي وثيقة مقاومة تعبّر عن معاناة الأسرى وتجسّد تفاصيل النضال الفلسطيني، الذي لا يتوقف عند الألم، بل يفتح أبواب الأمل في مسيرة طويلة للتحرير.

ولم يكتب السنوار روايته لإظهار موهبته الأدبية فحسب، بل تعمّد أن يكون أمينًا في تصوير الواقع، ليعكس تفاصيل معاناة الإنسان الفلسطيني كما عاشها.

وتتناول الرواية قصة شاب فلسطيني، عايش تجربة الأسر ثم خرج منها ليصبح قائدًا يقود شعبه في أشد مراحل الصراع تعقيدًا، جامعًا بين الأمل والألم في رحلته نحو الحرية.

تدور أحداث الرواية في قطاع غزة بعد نكسة 1967، من خلال سرد حياة أسرة فلسطينية تسكن في مخيم الشاطئ، حيث تتقاطع فيها التوجهات الفكرية والسياسية التي تمثل المجتمع الفلسطيني.

ويبرز في الرواية شخصيتان رئيسيتان أحمد الراوي الساعي خلف الحقيقة، الذي يمثل صوت البحث المستمر عن رؤية واضحة للمستقبل.

وإبراهيم المقاوم الإسلامي الصلب، الذي يعكس فكر المقاومة المسلحة، لكنه يعمل في البناء، في إشارة رمزية إلى أن المقاومة ليست هدمًا بل بناء مستمر للوطن.

وعبر شخصية إبراهيم، يطرح السنوار فلسفة تتجاوز فكرة المقاومة كفعل عسكري لتصبح مشروعًا يتطلب صبرًا، إيمانًا، وتخطيطًا بعيد الأمد.

فإبراهيم يجسد رؤية حركة المقاومة التي ترى في النضال ضرورة مستمرة، تعانق فيها الأيدي السلاح والحجارة، لكنها تسعى في الوقت ذاته لبناء الوطن حتى في أحلك الظروف.

وتتناول الرواية الخلافات الداخلية بين التيارات الفلسطينية؛ فالأخ الأكبر محمود، الذي ينتمي إلى حركة فتح، يعبر عن فكر التسويات السياسية الذي قاد إلى اتفاقيات، بينما يميل أحمد إلى تبني رؤية المقاومة الإسلامية التي يمثلها ابن عمه إبراهيم.

ورغم هذا الاختلاف في الأفكار، تبقى الأسرة الفلسطينية متماسكة، مما يعكس صورة المجتمع الفلسطيني، الذي يجد في وحدته قوة تصد الأزمات وتواجه الاحتلال.

يشير عنوان الرواية “الشوك والقرنفل” إلى ثنائية الألم الذي يعانيه الشعب الفلسطيني والأمل الذي لا يموت رغم المصاعب.

والشوك يرمز إلى المعاناة المستمرة، بينما القرنفل يعكس الأمل المتجدد في كل يوم.

هذا المزج بين الألم والأمل يجسد فلسفة النضال الفلسطيني، الذي يحوّل المعاناة إلى قوة دافعة نحو التحرر والكرامة.

تميز السنوار في الرواية باستخدام اللغة العربية الفصحى، مع بعض الإضافات من اللهجة الفلسطينية التي يعيد شرحها بلغة بسيطة، ليؤكد أن الرواية ليست موجهة فقط للفلسطينيين، بل لكل العرب والمسلمين.

فاللغة ليست وسيلة للتعبير فقط، بل هي جزء من الهوية القومية والإسلامية التي يتبناها السنوار في مقاومته للاحتلال.

الشوك والقرنفل ليست رواية عن شخص واحد أو تجربة فردية، بل هي سرد لحكاية وطن بأكمله.

وتسلط الرواية الضوء على أن النضال الفلسطيني يتجاوز المعارك المسلحة ليشمل كل تفاصيل الحياة اليومية، بدءًا من الأسرة وصولًا إلى المجتمع.

وهي تطرح مفهوم المقاومة بوصفها مشروعًا جماعيًا، يتطلب صبرًا ووحدة وجهودًا مستمرة، ويعبر عن رفض الظلم والإصرار على تحقيق الكرامة والحرية.

تدعو هذه الرواية القراء إلى التفكير في معاني الصمود، والبناء، والمقاومة، مؤكدة أن الألم يمكن أن يكون بداية للأمل، وأن التحرر لا يتحقق فقط بالسلاح، بل يتطلب وعيًا وتكاتفًا بين الأجيال.

إنها دعوة لفهم فلسفة المقاومة الفلسطينية من منظورها الإنساني والاجتماعي العميق، وإلهام الأجيال القادمة لمواصلة المسيرة نحو التحرير.

“الشوك والقرنفل” ليست مجرد رواية، بل هي مرآة تعكس روح القضية الفلسطينية، وتجربة تلهم كل من يسعى لفهم النضال في جوهره.

أوصي بقراءت هذه الرواية لكل من يريد الاطلاع على عمق التجربة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، وفهم كيف يمكن للأمل أن ينمو حتى في أحلك الظروف.

وإلى لقاء آخر في قراءة جديدة، دمتم في أمان الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى