المجالي تكتب : الأردن وسوريا: تحديات أمن الحدود وفرص بناء شراكات إقليمية لمكافحة تجارة المخدرات
22 الاعلامي – بقلم ديما المجالي
يمثل الملف الأمني على الحدود الشمالية تحدياً استراتيجياً للأردن، خاصة في ظل تصاعد تجارة المخدرات (تجارة الكبتاغون) خلال السنوات الخمس الأخيرة عبر سوريا والتي أصبحت صناعة منظمة ومدعومة من مؤسسات النظام السوري السابق، وتجاوزت هذه التجارة كونها مجرد مشكلة تهريب لتصبح تهديداً يطال الأمن الإقليمي بأسره. حيث كان الأردن في السابق مجرد منطقة عبور لتجارة المخدرات، لكنه اليوم يجد نفسه يتحمل عبئًا أكبر، لقد أصبح هدفًا مباشرًا لنشر هذه المواد، وبذلك، يقع على عاتقه التصدي لهذه التجارة الخطيرة.
ولقد أظهرت الوثائق الميدانية، بما فيها الفيديوهات التي سربتها لجان درعا الشعبية ، أن مصانع الكبتاغون بهذا الحجم والتجهيزات الصناعية ليست عشوائية، بل تعبر عن بنية تحتية متطورة مدعومة بعناصر نافذة من مؤسسات في النظام السوري السابق خاصة عبر الفرقة العسكرية الرابعة التي يقودها ماهر الاسد ،وهذا التوثيق عزز مصداقية الأردن أمام المجتمع الدولي، مما يعطي الاردن شرعية دولية لاستمرار عملياته الأمنية المكثفة على الحدود ، ويدعم مواقفه في طلب مساندة إقليمية ودولية لمكافحة هذه الظاهرة.
وعلى الاردن الاستفادة من خبرة سكان درعا وشبكاتهم المحلية لتعقب مهربي المخدرات ، لكن عليه أيضاً الدفع باتجاه بناء شراكة مع الحكومات الإقليمية لمواجهة تجارة المخدرات كظاهرة عابرة للحدود، ورغم سقوط النظام، فإن نشاط تجارة المخدرات لم يتوقف وخاصة بأن تجارة المخدرات بقيمتها التقديرية التي قد تتجاوز 5 مليارات دولار، ما يعكس تعقيد الظاهرة وارتباطها بشبكات متعددة الأطراف.
لكن مع سقوط النظام السوري السابق، برزت فرص جديدة لتعزيز التعاون مع المجتمعات المحلية في جنوب سوريا، وخاصة لجان درعا الشعبية التي أبدت استعدادها للتنسيق مع الأردن لضبط الحدود وهذا يوفر نموذجا عمليا للشراكة على الارض. وهذا التعاون، رغم كونه فرصة إيجابية، فإنه يضع الأردن أمام تساؤلات حول مدى استدامته، خاصة في ظل غياب سلطة مركزية مستقرة في دمشق.
وتأكيدا للموقف الأردني الرسمي اتجاه التحديات المتعلقة بتجارة المخدرات القادمة من سوريا، والتي أصبحت تهديدًا كبيرًا للأمن الأردني، أكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن مواجهة تحديات تجارة المخدرات القادمة من سوريا تمثل “أولوية وطنية أردنية”، مما يعكس جدية الحكومة الأردنية في التعامل مع هذا التهديد الخطير الذي يشكل تهديدًا كبيرًا للأمن الوطني. وأشار الصفدي إلى أهمية وجود حكومة مركزية جديدة في دمشق تلتزم بالقضاء على تجارة المخدرات التي أضرت بالأردن لعقود”.
وعن هواجس أمن الحدود مع سوريا، قال الصفدي خلال المؤتمر الصحفي الختامي لاجتماع لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا، السبت 14 ديسمبر / كانون الأول 2024، في العقبة جنوبي المملكة: “كما قلت أمن سوريا مهم لنا، أمن الجنوب السوري على حدودنا، لا نريد للإرهاب أن يعود ولا نريد للفوضوية أن تحدث هناك. بالتالي ندعو الجميع إلى العمل على إدامة الأمن والاستقرار ليس فقط في الجنوب السوري ولكن في كل سوريا”.
فالعبرة تكمن في أهمية الاستقرار الأمني في سوريا بشكل عام، وبشكل خاص في المنطقة الجنوبية منها، حيث يُعتبر هذا الجزء تهديدًا مباشرًا للأمن الأردني. لهذا، يواجه الأردن تحديًا كبيرًا في بناء نظام أمني واقتصادي متكامل قادر على حماية حدوده بفعالية، دون التأثير سلبًا على مصالحه الاقتصادية أو استقراره الداخلي.
.
من المؤلم أن يتحمل الأردن وحده هذا العبء الكبير الذي يهدد أمنه واستقراره، وإني أرى أن المرحلة القادمة تتطلب دبلوماسية أكثر فعالية من أجل تعزيز الدعم الدولي والإقليمي، ووضع استراتيجية متكاملة تشمل التعاون مع المجتمع المحلي السوري وتعزيز الأمن على الحدود.
حيث يكمن السؤال الأهم: كيف يمكن ضمان أن أي تغييرات سياسية في سوريا لن تؤدي إلى إعادة إنتاج تجارة المخدرات بأشكال جديدة، في ظل السيناريوهات المحتملة التي تشمل الاستقرار وإعادة البناء، أو الفوضى والانقسام، أو التدخل الإقليمي والدولي لحفظ الأمن في سوريا؟
الإجابة تكمن في تبني استراتيجية شاملة تشمل صياغة اتفاقيات دولية ملزمة لمكافحة المخدرات، وتعزيز التحالفات الإقليمية للتنسيق الأمني، وتمكين المجتمعات المحلية في جنوب سوريا من ضبط التهريب، بالإضافة إلى المطالبة بدعم دولي أمني ومادي، وتنفيذ مشاريع تنموية بديلة في المناطق الحدودية، مع تفعيل الضغط الدبلوماسي لضمان أن تكون مكافحة تجارة المخدرات أولوية في أي ترتيبات سياسية مستقبلية تخص سوريا.
فالأردن، بوعيه السياسي والأمني، يدرك أن ملف المخدرات السورية ليس مجرد مشكلة داخلية، بل يمثل تهديدًا لأمن المنطقة ككل، وهو ما يدفعه للبقاء متيقظًا ومشاركًا في صياغة مستقبل هذه القضية، سواء من خلال التعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية، أو من خلال تنفيذ حلول اقتصادية واجتماعية تؤدي إلى تحسين الوضع الأمني على الحدود،ودعم المجتمع المدني السوري والضغط الدبلوماسي الدولي لضمان عودة الأمن والاستقرار في سوريا.