الدهيسات تكتب : على سبيلِ الانتقاد في العالمِ الافتراضيّ “السُّخرية” مُتعةٌ مُؤقَتةٌ وضررٌ دائمٌ

22 الاعلامي – بقلم : إسراء امضيان الدهيسات
في مُجتمعاتنا الرّقمية، عبر الفضاء الإلكترونيّ، لا يكاد يمرّ يومًا دون أن نسمعَ نقدًا ساخرًا أو تعليقًا لاذعًا عن شخصٍ أو جهةٍ ما، سواء كان ذلك على منصّات التّواصل الاجتماعيّ، أو حتى في وسائل الإعلام. فالنّقد في أصلهِ وسيلةً لتصحيح الأخطاء وتطوير الأفراد والمجتمعات، وهو قد يكون من مُحِبٍّ، وقد يكون من مُبغِض، ومن ذلك ما جاء في الحديث الصّحيح عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، أنَّ النبي ﷺ قال: “صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان”. فالحق مقبولٌ ولو جاء به الشّيطان، فكيف بمن دونه؟! لكنّه للأسف يتحوّل في كثيرٍ من الأحيان إلى أداةٍ للهجوم والتّجريح، خاصّةً عندما يكون قائمًا على السُّخرية من الآخرين والتّركيز على عيوبهم، دون التفكّر في العيوب الشّخصية لمن يمارسُ النّقد.
وفي العالم الافتراضيّ، نجدُ أنّ كلَّ محتوىً، مهما كان، مُعرّضٌ للسُّخرية بشكلٍ أكبر من النّقد، كما أنّه أسرع وأشدّ ضررًا وأذى، وكثيرًا ما يحدث ذلك على الملأ، بمُجرّدِ الضّغطِ على زِرِّ “أضحكني”، أو من خلال تعليقاتٍ جارحةٍ تحت غِطاء “المُزاح”، ممّا يُساهم في انتشار التنمّر، ويُشعِر الآخرَ بالنّقص، وبذلك لا يُقدَّم النّقدُ بمعناه الحَقيقيّ، بلْ يُعبّر عن سطحيّة تفكير صاحبِه.
إنّ استخدامَ النّقدِ السّاخرٍ على مواقعِ التّواصلِ الاجتماعيّ كوسيلة لتسليطِ الضّوء على أخطاءِ الآخرين؛ قد يُحقّقّ لحظاتٍ كبيرةٍ من الضّحك، ونسبةَ مُشاهدةٍ أعلى من تلك المحتويات التي تتضمّن حقائق ومعارف في مختلف المجالات، والتي من شأنِها أنْ تجعلَ الجمهورَ أكثرَ وعيًا ومعرفةً وحكمة.
لهذا السّبب، اتّجه الكثير من صانعي المحتوى إلى أسرعِ طريقةٍ للشُّهرة، وهي صناعة المحتوى السّاخر، وللأسف أصبحت هذه الظّاهرة ثقافةً ونهجًا يسيرُ عليها الكثيرون؛ لكسبِ تأييدِ عددٍ أكبر من الجمهور والمُتابعين، الذين ينساقون بأفكارهم نحو السُخرية وعدم الجديّة في حياتهم، مُعتقدين أنّ ذلك يعكسُ قوّة شخصيّتهم أو يُمثِّلُ حُريّة التّعبير، بينما هُم في الواقعِ يتركونَ عيوبَهم جانبًا، ويُركّزونَ على عُيوب الآخرين، حتّى وإنْ كان ما يسخرونَ منه مغلوطًا ولا أساس له من الصّحّة، ودون التّأكّد من مصدرهِ ومرجعيّتِه.
إنّ محاولةُ الابتعاد عن تلك الظّاهرة ستكون صعبة، بسبب عدم وعي الكثير من الأشخاص بكيفية التّعامل مع العالم الافتراضيّ بكافّة أدواته ووسائله المرئيّة، لذا من الضّروريّ تثقيفهم بالاستخدام الآمن لهذه الوسائل؛ للحفاظ على سلامة أفكارهم وقيمهم. فالتّعامل مع العالم الرّقميّ بمسؤولية ووعي، حتّى وإن كان خلف الشّاشات يمنحُ الأفرادَ القُدرة على التّمييز بين الحقائق والأكاذيب، ويجعلهم أكثر وعيًا في مواجهة المُحتوى السّلبي، ممّا يُساعدُ في الحدّ من انتشارِه.
وفي الخِتام، علينا فهم عبارة “على سبيل الانتقاد” جيّدًا؛ لأنّ الانتقاد الحقيقيّ لا يجبُ أنْ يكون سِتارًا للسُّخرية، أو وسيلةً للتهرّب من مواجهة الذّات، إذا أردنا أن نرتقي بثقافة النّقد في مجتمعاتنا، فلا ننساق خلف الجاهلين بأيّ مُحتوى لهم مهما كان، ولنكون أكثرَ وعيًا، علينا أنْ نبدأ بأنفسنا، وأنْ نُمارسَ النّقدَ بروحٍ إصلاحيّةٍ لا بروح هدّامة، فالنّقد الذي يبني هو ما يهدف إلى تحسين الأمور، أما النّقد الذي يهدم فهو الذي ينشغل بعيوب الآخرين مُتناسيًا عُيوب الذّات، والذي تضيعُ به المُجتمعات.