
22 الاعلامي – بقلم : فادي زواد السمردلي
الإعلام هو ركيزة أساسية في بناء المجتمعات وتطويرها، وهو الأداة التي تنقل الحقائق وتُثري النقاشات وتُوجه الرأي العام نحو القضايا الهامة. ومع ذلك، فإن هذه القوة الكبيرة التي يتمتع بها الإعلام قد تُسيء استخدامها بعض الجهات أو الأفراد، لتحويله من منبر للحقيقة إلى وسيلة للابتزاز والتضليل في عالم أصبحت فيه الأخبار تنتقل بسرعة غير مسبوقة عبر وسائل الإعلام التقليدية والمنصات الرقمية، يُلاحظ أن البعض يستغل الإعلام لنشر معلومات مغلوطة أو تضخيم قضايا بشكل مبالغ فيه، ليس بهدف خدمة الصالح العام، بل لتحقيق منافع شخصية، قد تكون مادية أو سياسية أو حتى اجتماعية فهذه الممارسات تُمثل انحرافاً خطيراً عن الأهداف النبيلة للإعلام، حيث يُستغل تأثيره الواسع في الضغط على أفراد أو مؤسسات للحصول على مكاسب غير مشروعة.
الابتزاز الإعلامي ليس مجرد إساءة لاستخدام المعلومة، بل هو اعتداء مباشر على أخلاقيات المهنة ومبادئها فعندما يُستخدم الإعلام كوسيلة للضغط المالي أو النفسي، فإنه يتخلى عن رسالته الحقيقية المتمثلة في نقل الحقيقة بموضوعية وشفافية فعلى سبيل المثال، قد يُروج البعض لأخبار كاذبة عن مؤسسة أو شخصية عامة، ثم يُمارسون الضغوط عليها للتراجع عن النشر أو لتغيير الخط التحريري مقابل مبالغ مالية أو مصالح خاصة فهذه الممارسات تُمثل شكلاً من أشكال الابتزاز السافر الذي يضرب مصداقية الإعلام في الصميم، ويُحوّله من أداة لنشر المعرفة إلى أداة لتصفية الحسابات وتحقيق الأجندات الخاصة.
بعض الجهات الإعلامية قد تلجأ إلى تضخيم الأحداث الصغيرة وتقديمها للجمهور على أنها أزمات كبرى، وذلك لإثارة الرأي العام أو للضغط على أطراف معينة من أجل تحقيق مكاسب مالية وهذا النوع من الابتزاز الإعلامي لا يقتصر ضرره على الأطراف المستهدفة فقط، بل يمتد إلى المجتمع ككل، حيث يخلق حالة من الفوضى والارتباك، ويُزعزع الثقة في وسائل الإعلام باعتبارها مصادر موثوقة للمعلومات ومع انتشار هذا النوع من الممارسات، يُصبح من الصعب على الجمهور التمييز بين الإعلام الصادق والمسؤول وبين الإعلام الذي يُدار من وراء الكواليس لتحقيق مصالح ضيقة.
الإعلام، في جوهره، أمانة ورسالة، ويجب أن يبقى بعيداً عن أي تصرفات تخدش نزاهته أو تُفسد مصداقيته فعندما يُستخدم الإعلام للحصول على منافع مادية أو لإلحاق الأذى بالآخرين، فإنه يُحوّل نفسه إلى أداة للهدم بدلاً من البناء وهذه الممارسات لا تُفسد فقط سمعة القائمين على الإعلام، بل تترك أثراً سلبياً دائماً على المجتمع، حيث تفقد الناس ثقتهم في مصادر الأخبار، وتُصبح الحقيقة ضحية سهلة في وسط سيل من الأكاذيب والتلاعب.
في ظل التحديات التي يواجهها الإعلام اليوم، يصبح من الضروري التأكيد على أهمية الالتزام بالقيم الأساسية التي تحكم العمل الإعلامي، مثل المصداقية، الشفافية، والمسؤولية الاجتماعية فالابتزاز الإعلامي، سواء كان مادياً أو معنوياً، يجب أن يُواجَه بحزم، لأنه يتعارض مع جوهر الإعلام كوسيلة لخدمة المجتمع وتعزيز الحوار والتفاهم فالإعلام النزيه هو الذي يلتزم بالحقيقة مهما كانت التحديات، ويرفض الانجرار وراء المصالح الضيقة التي تُهدد رسالته ودوره الإيجابي في المجتمع.
في النهاية، الحفاظ على مصداقية الإعلام يتطلب تضافر الجهود بين الإعلاميين أنفسهم والجمهور والمؤسسات المعنية بتنظيم العمل الإعلامي ويجب أن يكون هناك وعي جماعي بخطورة الابتزاز الإعلامي، والحرص على تعزيز ثقافة المساءلة والشفافية، لأن الإعلام النزيه هو أساس مجتمع حر ومستقر، بينما الإعلام المبتز لا يؤدي إلا إلى الفوضى والدمار.