22 الاعلامي- إعداد-أميمة شمس الدين-في السنة الخامسة للأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، لم يتغير المشهد كثيرًا لأن المشكلة ما زالت قائمة والحل يبدو بعيداً، ولكن ما تغير هو تكيف اللبنانيين معها، وليس غريبا على هذا الشعب الذي صمد في الحروب والأزمات أن يواجه أسوأ أزمة في تاريخه ويتحدى الظروف.
وحسب التقرير الاقتصادي الذي اعدته الوكالة الوطنية للإعلام (وطنية) لصالح اتحاد وكالات الانباء العربية (فانا)، فأن الدولار مستقر على ارتفاعه في حدود المئة إلف ليرة لبنانية، وأسعار السلع في ارتفاع مستمر ومنها الأدوية والصحة والتعليم، والرواتب هزيلة ولا سيما لموظفي القطاع العام، وإن حصلوا على بعض الزيادات التي لم تصل كلها إلى 40 بالمئة.
وقالت الوكالة في تقريرها الذي عممته (فانا) : الوضع الاقتصادي لم يتعاف بعد وإن يسجل للقطاع الخاص تأقلمه مع الأزمة، وما زال هناك الكثير من الأمور المطلوبة لخروج لبنان من أزمته، أبرزها إصلاحات لم تطبق، شغور رئاسي، حكومة تصريف أعمال ومجلس نواب شبه مشلول غير قادر على إقرار القوانين ولا انتخاب رئيس للبلاد.
وعلى الرغم من كل ذلك، وبالإضافة إلى الحرب في الجنوب اللبناني، ترى هذا البلد يعج بالحياة، بدليل ما شهده الموسم السياحي العام الماضي من تألق وازدهار وما يشهده العام الحالي رغم الحرب.
وفي السياق، توقّع تقرير صادر عن البنك الدولي أن تسجّل لبنان نموّاً اقتصاديّاً بنسبة 0.5 بالمئة خلال العام الحالي 2024، (كانت التوقعات تشير إلى نمو صفر بالمئة) مقارنةً مع انكماش اقتصادي بنسبة 0.2 بالمئة خلال العام الماضي و 0.6 بالمئة في عام 2022.
ومن المتوقع أيضاً أن يتحسّن متوسّط نموّ الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي للفرد الواحد من 1.2 بالمئة عام 2022 إلى 2.4 بالمئة العام الماضي 2023، و3.1 بالمئة العام الحالي 2024.
كما توقّع البنك الدولي أنّ يظلّ عجز الحساب الجاري في لبنان مرتفعاً عند 10.4 بالمئة من الناتج المحلّي الإجمالي، مقارنة مع 11 بالمئة العام الماضي 2023، و32.7 بالمئة عام 2022.
ووفقا لتقرير (وطنية)، سيصل لبنان إلى توازن في الموازنة العامّة خلال العام الحالي 2024 مقارنة بفائض بنسبة 0.5 بالمئة من الناتج المحلّي الإجمالي العام الماضي 2023، وعجز بنسبة 2.9 بالمئة بالعام 2022.
وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادي خلال النصف الأول من العام الحالي، لفت الباحث الاقتصادي والمالي الدكتور محمود جباعي في حديث للوكالة الوطنية للإعلام (وطنية) إلى أنه “رغم الحرب الدائرة في الجنوب هناك بعض المؤشرات الإيجابية المرتبطة بميزان المدفوعات وبالحساب في الميزان الجاري وأيضاً في موضوع المحفظة الإستثمارية التي سجلت ارتفاعاً يفوق 3.5 مليار دولار”.
وتوقع جباعي أن يحصل فائض في ميزان المدفوعات على غرار نهاية العام الماضي “بحيث بلغ الفائض ملياري دولار، وهذا الأمر يعود إلى التدفقات المالية التي تدخل إلى البلد، سواء من تحويلات المغتربين او من خلال المواسم السياحية وزيارة المغتربين لأهاليهم والمساعدات التي ازدادت إثر الحرب إلى أهالي الجنوب من قبل المغتربين في الخارج”، مبينا “كل هذه الأموال أسهمت في حصول طفرة إقتصادية نتيجة استعمالها في الاستهلاك”.
وتحدث جباعي عن “تأثيرات الحرب على القطاع السياحي والخسائر التي تسببت بها سيما في منطقة الجنوب سواء في الزراعة والتجارة أو في قطاع الخدمات التي تعطلت من جراء هذه الحرب التي أدت إلى شلل مطلق في الأماكن المستهدفة، مشيرا إلى أنه “لولا الحرب لكانت الأرقام أعلى بنسبة لا تقل عن 25و30 بالمئة”.
ولفت جباعي إلى أن “القطاع الخاص تأقلم مع الأزمة و يشهد تقدماً ملحوظاً وذلك بفضل الهيئات الإقتصادية التي تعمل على دعم المزارعين والصناعيين والتجار والمستوردين وكل الذين يعملون في القطاع هناك تشجيع و دراسات و إحصاءات وتعاون كبير وهذا ساهم في حصول طفرة إقتصادية في القطاع الخاص “.
أما بالنسبة إلى السلبيات التي ما زال تعانيها لبنان العام الحالي، اقتصادياً ومالياً فأشار جباعي إلى أن “نفقات الدولة تفوق وارداتها”، مشدداً على “ضرورة وجود موازنات منطقية وحقيقية إصلاحية مع ضرورة مكافحة التهرب الجمركي والضريبي التي تساهم في تحصيل إيرادات إضافية للدولة وبذلك يصبح الوضع المالي والاقتصادي أفضل .
ولفت إلى أن “الناتج المحلي الذي يبلغ حوالى 22 مليار دولار يمكن أن يرتفع بشكل كبير إذا صححت الدولة اللبنانية موازناتها وضمنتها دعم للنفقات الإستثمارية”.
وأكد جباعي أننا من ناحية الاقتصاد والاستثمارات والانتاجية والناتج المحلي بالقطاع الخاص دخلنا مرحلة متقدمة، وما زلنا نعاني مشكلة كبيرة مرتبطة بموضوع المصارف والمودعين ولم نلحظ أي تقدم ملموس في ظل عدم تحمل اي مسؤولية من قبل الدولة لجهة دفع 70 مليار دولار الأموال التي اقترضتها من المصرف المركزي عدا عن تسببها بالضعف المالي الكارثي الذي خسّر المودعين والمصارف مبالغ عالية كانت السبب بالأزمة.
وقال جباعي “أننا لن نتمكن من حل ازمة المودعين ما دمنا لم نشهد أي تحمل للمسؤوليات ولم يقر قانون حقيقي لكيفية رد اموال المودعين وسبل الاستثمار في أصول الدولة، مع ضرورة مساعدة المصرف المركزي من خلال الاحتياطي الموجود لديه وكذلك مساعدة المصارف بما تبقى لديها من احتياطات وعقارات وأصول”.
أما لجهة القطاع العام فرأى جباعي أن “حجم القطاع العام ما زال كبيراً بالرغم من انخفاض نفقاته على الدولة لأن رواتب الموظفين انخفضت بشكل كبير جداً وقدرتهم الشرائية تراجعت بشكل غير عادل”، مطالباً بتحسين الرواتب وفي نفس الوقت بخفض حجم القطاع العام ومحاربة “الورم الوظيفي” وخفضه بالحد الأدنى بين 25 و30 بالمئة اي بمعنى أنه يجب ان تكون نفقات الدولة من الناتج المحلي 18 بالمئة حدًّا أقصى وألا تعود البلاد كما كانت سابقا إلى الرقم 33 و35 بالمئة بهذا المجال.
ولفت الى أن “هناك وظائف غير قانونية وغير منتجة وتوظيف عشوائي وسياسي”، مشدداً على “ضرورة إعادة هيكلة القطاع العام التي تتضمن تطويره تقنياً ومعلوماتياً وتطوير آداء العاملين فيه”.
ورأى أن “إعادة هيكلة القطاع العام تتم من خلال الخصخصة على طريقة ( BOT ) أي تحويل المنشآت العامة إلى خاصة لفترة زمنية محددة على ان يختصر دور الدولة على المراقبة وتكون الإدارة للقطاع الخاص، ما يؤدي إلى تخفيض النفقات وزيادة الإيرادات وتحسين الإنتاجية والإقتصاد، ويسهم بشكل كبير بالخروج من الأزمة”، معتبراً ان “هناك الكثير من أماكن الهدر في كيفية إدارة الدولة لمؤسساتها”.
وتوقع ان يكون الناتج المحلي الاجمالي للبنان في أواخر العام الحالي 2024 مشابهاً لما كان عليه في أواخر العام الماضي 2023 حيث ارتفع بين 1.2 و2 بالمئة ولولا الحرب لكانت الأرقام أعلى، مؤكداً أننا “في مرحلة نمو بطيء للاقتصاد”.
ورداً على إمكان حل أزمة المودعين أوضح انه لا يرى “أي أطر تسرع الحل وما زلنا نسير في الحلقة المفرغة نفسها، و ما زلنا ننتظر صندوق النقد الدولي على الرغم من ان معظم القوى السياسية تعلم بانه لن يتم الاتفاق مع الصندوق لأن شروطه غير مقبولة من قبل المودعين، ومن جهة أخرى هذه القوى غير قادرة على تطبيق الإصلاحات المطلوبة من الصندوق”.
وقال أنه “مع تطبيق هذه الإصلاحات سواء كانت مطلوبة من الصندوق او لا سيما الإصلاحات في الكهرباء والاتصالات والبنى التحتية والأملاك البحرية و إدارة الدولة لمنشآتها لأنها مفيدة للبلد ويضعنا ضمن النمو الاقتصادي المستدام سواء اتفقنا مع الصندوق او لم نتفق”.
و استغرب “استعمال موضوع الصندوق كشماعة من أجل تضيبع الوقت على الحلول”، معتبرا انه “يمكننا البدء بالحلول وكما خرجنا من الأزمة في القطاع الخاص تستطيع الدولة الخروج من الأزمة من خلال إعادة هيكلة القطاع العام و إعداد خطة لاسترداد الودائع عبر الاستثمار في أصولها بالتعاون مع مصرف لبنان والمصارف وإعادة هيكلة القطاع المصرفي بشكل علمي وشفاف”.
وعبر جباعي عن تخوفه من أن “ينتهي العام الحالي 2024 من دون إقرار القوانين الإصلاحية التي تعتبر السبيل للخروج من الأزمة”، وبموضوعية متناهية يرى جباعي ان “الحل مؤجل إلى العام المقبل 2025 حتى لو حصلت معجزة في السياسة وأصبح لدى لبنان رئيس للجمهورية وحكومة جديدة فاعلة وانتهت الحرب في الجنوب”.
وتطرق الى سياسة حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ورأى أنها “سياسة علمية منطقية ترسخ فكرة مهمة للمصرف المركزي كمؤسسة قادرة أن تواجه الأزمات”، معتبراً ان “هذه السياسة كانت حكيمة في إدارة الملف النقدي بحيث نشهد استقراراً نقدياً منذ أكثر من سنة و زيادة في موجودات مصرف لبنان وصلت إلى 1.3 مليار دولار، فيما يتوقع أن تصل لملياري دولار مع نهاية العام الحاليز
وبين أن “زيادة الموجودات في مصرف لبنان يمكن الإستفادة منها بتمويل التعاميم الصادرة عن المركزي بالاضافة إلى تمويل أي خطة ممكن ان تحصل لمعالجة ازمة المودعين”. مؤكداً أنه “كلما ازدادت هذه الموجودات كلما تمكنا من الاستفادة أكثر”.
وتوقع جباعي ان تسهم “هذه السياسة النقدية الناجحة جداً في رسم أطر للحل شرط أن تقوم الدولة بشقيها التنفيذي والتشريعي مع مصرف لبنان والمصارف بالمساهمة في حل ازمة المودعين والأزمة الاقتصادية والنقدية والمالية”.
واشار الى ان “هذه السياسة استطاعت أن توحد سعر الصرف في ميزانيات مصرف لبنان سواء كانت في مطلوباته او في موجوداته واستطاع مصرف لبنان ان يقيم توازناً في ميزانياته مع مراعاة السياسة النقدية العالمية والشفافية المتبعة في كيفية بيعه لليرة اللبنانية و حصوله على الدولار بحسب المادتين ( 75 و 83 ) من قانون النقد والتسليف من دون المس بالمادة (80) المتعلقة بالمحافظة على الاستقرار النقدي”.
ولفت إلى أن “التعاميم الصادرة عن المركزي و إن كانت ليست حلاً جذرياً للأزمة لكنها إجراء موقت ضروري في انتظار الحل الشامل المنتظر من قبل القوى السياسية “.
وتحدث جباعي عن أمر حصل لأول مرة منذ فترة طويلة وهو ان “سياسة مصرف لبنان النقدية حتّمت على الوزارات أن تصرف حاجياتها بعيداً عن الهدر في الإنفاق وعدم وجود فائض بالكتلة النقدية في زيادة حجم الموجودات في خزينة الدولة اللبنانية.
–(بترا وفانا)