ريان ..نحبس انفاسنا على وقع نبضات قلبك
كتبت: إخلاص القاضي
لا أدري كم من الوقت لا زال يفصلنا والعالم عن أمل استعادته للانفاس التي حُبست على مدى الايام الماضية، لنفرح، بعون الله ورحمته، بخبر إنقاذ الطفل المغربي ريان، من بئر استدرجه لعمق 32م، فاستقر هنالك يصارع الوقت ببطولة واصرار وصبر وصمت وتحمل، ادهشوا الدنيا بأسره، من أسره القسري الغريب.
ريان، أسير البئر، البطل الصغير الكبير الذي ضبط ساعة العالم، على وقع نبضات قلبه، وحّد دعاء كل الامهات، وكل البشرية، بغية تحريره من عمق لا زال يقاوم به شراسة العتمة والبرد والمجهول، متطلعا، للانتصار على الوقت، ليتحد وجهه الجميل البريء، مع شمس الحرية، ورائحة عناق امه المفجوعة من هول الحدث واحتمالات تداعياته غير المحسوبة.
من اجل طفل بريء سخرت كل الامكانيات المتوافرة، لحفر بئر مواز، لانقاذه حيا بحول الله، قبل فوات الاوان، مع كل ما يكتنفه ذلك من صعوبات وخوف من انهيارات، وامطار، ومخاطر قد لا تخطر على البال، بينما يرقب الناس عملية الانقاذ لحظة بلحظة، وفي قلوبهم طبعت صورته المؤلمة، التي اظهرته بالحفرة، متوجها بعينيه الحزينتين للسماء، وكأنه يتوسل، لفرصة متجددة يرى فيها من جديد وجه أمه المغلوب على أمره، يتفحصه، يتأكد من تفاصليه، وكأنه يراجع حساباته الصغيرة، ويتحدث لنفسه عن نفسه، ماذا سأفعل، حين أرى النور واتنفس الهواء من جديد؟
ما حدث مع ريان، يؤكد أن الانسانية ما زالت بخير، حيث تتصدر قصته المؤلمة، وصراعه من اجل البقاء، نشرات الاخبار والمواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، لتشعر وكأنه الخبر الوحيد بالعالم، لتصغّر قصته، ملفات أخرى في أعين الناس، فمن يكترث، وهو يتابع تفاصيل انقاذه، لآخر أخبار الاتفاق النووي مثلا، او لاختلافات وصراع القوى الكبرى، التي تبدو في ظاهرها وكأنها لصالح البشرية، أو لمن ودع واستقبل وقال واضاف.
فعلى أهمية كل ما تقدم – لان الحياة تستمر بطبيعة الحال – طغت صورة ريان، وهو يضحك، والتي التُقطت له حكما في حياته العادية قبل الحادثة، على كل الاخبار، مغلفة صدر صفحات كل الملفات، مسجدة توسله الصامت، “انقذوني انا بحاجة لدعائكم”.
اتمنى كما كل الدنيا، أن يكون ريان قد عانق الحرية، وانتم تقرأون مقالي هذا، وتكون والدته قد غمرته بحضنها الدافىء، ليعوض برد التراب الذي تلقفه على حين صدفة، ولينهض من عمق الحفرة الساحق، الى فضاءات الكون بأسره، كيف لا؟ وهو البطل الذي حرر فينا انسانيتنا قبل ان يتحرر، وهو الذي كتب لنا بصبره حكايات الابتلاء، وتجليات المعاني الطاهرة “فإن مع العسر يسرا”.
ومن اسمك يا ريان، نهلت بصبر الصابرين، اجمل المعاني، ف “ريان”، هو “المرتوي بعد عطش، والذي شرب حتى ارتوى الاخضر الناعم من اغصان الشجر”، وايضا، “إن بابا في الجنة يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة”، وانت يا ريان قد صمت وصبرت وانتظرت لحظات حاسمة قاسية رأيت بها الموت المجازي بعينيك وقلبك، ولكن الايمان العظيم كان سمتك على تفاصيل المتوسل لعناق الدنيا من جديد..
ستكون بطل العام، وكل الاعوام، وستروى قصتك الجدات للاحفاد عن مناضل عملاق رغم سنواته الخمس، آمن أن الدنيا ليست بلون واحد، هي ابيض واسود، هي فرح وتعاسة، هي ضيق وفرج.
ننتظرك على وقع زغاريد كل من يقطن ضواحي مدينة “شفشاون” الواقعة شمالي المغرب، وزغاريد المغرب والعالم، حيث سيطبع التاريخ قصة تحرير انسانية في زمن عبودية سطوة المال والمرض وغياب الضمير، ننتظرك وكلنا امل ان لا يعكر صفو عمليات الانقاذ أية ظروف، قد تحول فرحتنا بانتظارك لحزن عظيم، لا قدر الله.