22 الاعلامي – بقلم د. محمد يوسف حسن بزبز – سفير جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي
أقدم خلاصات عملية أردت من خلالها تقديم وجبات سريعة جاهزة لزملائي المعلمين لعل فيها ما ينير بعض معالم الطريق؛
مهنتك كمعلم ليست كما يعتقد البعض أنها نمطية تقليدية بل إنها مهنة متجددة تتطور باستمرار بفعل تطور البيئة المعرفية والتكنولوجية، لهذا فأنت تنمو وتتطور وتعيد تشكيل نفسك باستمرار. إن برامج التأهيل والتدريب التي تحظى بها هي دليل على تقديرك، وتقدير مهنتك، والرغبة في أن تبقى دائم النجاح والتطور، وبأنه ينتظرك مستقبل باهر. لا تنس أنك فيلسوف، حين تعبر عن معتقداتك ووجهات نظرك، وحين تمثل قدوة لطلابك، وأنك شاعر حين تستخدم فيضًا من المعاني الرائعة في صياغة موضوعك فتجعله أكثر جاذبية وإثارة ولأنك تثير الخيال والجمال وتربط بين الأشياء وتبرز دلالاتها، وأنك قائد أوركسترا لأنك تقود وتوحد إيقاعًا يبدو متناقضًا داخل الصف فتؤلف منه سياقًا متناغمًا وجميلًا، وأنك دبلوماسي قادر بلباقتك وذكائك على أن تيسر سبل التفاعل الإيجابي الخلاق بين أفراد من خلفيات ثقافية واقتصادية وقيمية متباينة. إن العامل الرئيس الذي يتحكم بعملك هو إدارتك للصف. فكن مديرًا فاعلًا لهذا الصف. إن اليوم الدراسي الأول هو أهم أيام العام الدراسي، كما أن الدقائق الأولى التي تلتقي بها طلابك بداية العام سيحدد بها نجاحك وفشلك باقي أيام السنة الدراسية، فإما أن تكسب طلابك وإما أن تخسرهم.
وهنا اقترح إحضار جميع أولياء الأمور وهم في أبهى حلة مراسم الاحتفال باليوم الدراسي الأول مع أبنائهم.
إن الشهادة الجامعية هي آخر شي تحتاجه لتكون معلمًا فاعلًا، ولعل أول ما تحتاجه هو كيف تدير صفًا مليئًا بالتحديات والتناقضات، وكيف تكون موصلًا رائعًا للمعلومات والأفكار والقيم والاتجاهات وفي إثارتها وتوجيهها. يتحدد نصف ما تحققه من نجاح قبل أن تغادر منزلك إلى العمل، ويتحدد ثلاثة أرباع ما سوف تنجزه من أعمال في أي يوم قبل أن تدخل بوابة المدرسة، ويتحدد كل ما ستحققه من نجاح وأنت أمام طلابك. هيئ المكان؛ يمكنك مضاعفة فرص النجاح لطلابك وأن تقلل من تشتت أفكارهم إذا نجحت في تهيئة البيئة المادية الملائمة للصف قبل أن يدخلها الطلاب. هيئ طلابك؛ يمكنك تحقيق جل نتاجاتك التربوية إن نجحت في توفير بيئة نفسية داعمة لطلابك. هين نفسك؛ الشعور الذي يحمله طلابك عنك بعد عاملًا حاسمًا في إنجاحهم لك وإنجاحهم لأنفسهم. التوقعات الإيجابية المعلم الذي يحقق أعلى نسبة نجاح لطلابه هو عادة الذي يتوقع نجاح جميع طلابه مسبقًا. نحن لا نعيش في عالم مثالي؛ فالمعلم يجب أن يرتدي ملابس تناسب مهنته ليشكل الانطباع الملائم لطلابه، ويزيد من اهتمامهم وكي يحظى بالاحترام والقبول والسيطرة. لا يكفي أن يدل مظهرك على أنك متميز في مهنتك، هذا المظهر سيساعدك في فرض سيطرتك على الموقف التعليمي، ولكن من المهم أيضًا أن تمثل نموذجًا مثاليًا لطلابك تفكر وتتصرف بشمولية وبعد نظر. أشعر طلابك وزملاءك كل يوم بأنك مهتم بهم، وبأنهم يعنون لك الشيء الكثير.
قدم لطلابك برهانًا على رغبتك في مساعدتهم ومتابعة شؤونهم، وحل مشكلاتهم. حين تقف أمام طلابك أول مرة، أفصح عن ذاتك، اذكر لهم اسمك وتأهيلك وخبراتك وحدثهم عن اهتماماتك البحثية وقراءاتك ولا بأس أن تحدثهم أيضًا عن أفراد أسرتك ومكان سكنك وعن هواياتك، وعن أفكارك وتطلعاتك وفلسفتك في الحياة، وبكلمة واحدة، اكشف لهم عن المناطق المظلمة بالنسبة لهم في شخصيتك… لا تجعلهم يحققون فضولهم في هذا من خلال التجربة أو الحدس والتخمين إن من شأن هذا أن يهين سبل التواصل والتأثير بينك وبينهم. خاطب طلابك بأسمائهم، ابتسم في وجوههم، وزع نظراتك عليهم بعدالة، أنعم عليهم بكلمات وعبارات جميلة تحمل الاحترام والحب والتقدير، استخدم كلمات أرجوك، أشكرك أحسنت.. الخ، اكتبها أيضًا على دفتر الواجبات البيتية. قد لا تستطيع أن تحب جميع طلابك ولكن بإمكانك أن تمنحهم جميعًا الاهتمام والرعاية الفائقتين. المعلمون الذين يعرفون طلابهم بشكل جيد، ويرفعون قدراتهم وتوقعاتهم منهم يزيدون من قدرتهم على التعلم، ويواجهون مشكلات ناجمة عن سوء سلوك طلابهم بشكل أقل، وتكون صفوفهم أكثر انضباطًا. اللحظات الأولى القليلة من بدء دخولك الصف لها أهمية استثنائية، ابدأها بفاعلية، ولا تبدأها بتدقيق الحضور والغياب الذي يرفع مستوى الضجيج ويهين فرص الانتقاد والمواجهة، ويشعر الطلاب بالملل والضجر، ويضيع وقت الذروة في عمل هامشي تقليدي. هناك عدة طرق لتدقيق الحضور وعليك أن تختار لها الوقت الملائم. تذكر أنك إذا فعلت ما اعتدت فعله، فسوف تستمر بالحصول على ما اعتدت أن تحصل عليه ، وكما قيل ” إذا تشابهت المقدمات تشابهت النتائج”.
من صفات المعلم الناجح أن تصرفاته وأفعاله ثابتة ومتوقعة مسبقًا من قبل طلابه. إذ يحدد أنظمته وتعليماته ونظام العقوبات والمكافآت وما هو مسموح به أو غير مسموح منذ بداية اليوم المدرسي الأول، ولا يجعلها تعليمات متقطعة ومفاجئة تبرز عند الحاجة إليها لحل مشكلة معينة أو حدوث موقف معين، ولا يقدمها لهم بأسلوب فظ أو متعال، وبأن تعليماته هذه مقنعة، ميسرة في التطبيق، عادلة، تتسم بالمرونة وتحقق النتاجات التي وضعت لأجلها. المعلم الناجح يحصل على مؤازرة الطلبة وعلى دعم الإدارة وتأييد أولياء الأمور الأنواع العقوبات والمكافآت التي يتبناها مع طلبته. المعلم الفاعل كثيرًا ما يضبط سلوك طلبته بجسمه لا من خلال فمه، فكثيرًا ما يؤدي ذلك إلى تحقيق النتاج، متجنبًا ما يحدثه الاتصال اللفظي من إحراج الطالب أو إضاعة وقت المعلم. يعمل المعلم الناجح على تعليم طلابه السلوك المرغوب والمقبول والمرحب به، ويحرص على تدريبهم عليه، ويطلب منهم تطبيقه، ومن ثم تكراره بشكل مستمر وفقًا للمواقف المختلفة، حتى يتحول بذلك من سلوك عشوائي إلى سلوك مقرر ومن ثم تحويله بفعل التكرار إلى عادة سلوكية. العادات السلوكية الإيجابية مهمة وضرورية ليست في داخل الصف أو المدرسة فحسب، وإنما ضرورية داخل الأسرة والمجتمع عمومًا، لكي يعمل الناس بأسلوب منظم وسليم ومقبول، يتكيف الفرد فيها مع بيئته، ويمهد بذلك لتوليد اتجاهات إيجابية بينه وبين الآخرين وبالعكس. وبالتالي تتحسن فرص التواصل والتفاعل الاجتماعي بين الناس. إن تغيبت عن صفك أو تأخرت عن موعد حصتك، فهل ستجد طلابك داخل الصف يديرون أمورهم بأنفسهم؟ إن كانت الإجابة “نعم” فهذا دليل على نجاحك في تدريبهم على تطبيق الأعمال والإجراءات وبأن وسائل الضبط لديهم أصبحت ذاتية، وبأنهم مهتمون بالتحصيل، وهم بهذا يؤكدون احترامهم لك.
استشعر دائمًا النتاجات السلوكية التي تسعى إلى تحقيقها، وأشعر طلابك بـ ولتكن جميع فعالياتك وفعاليات طلابك موجهة نحو تحقيقها. لتكن الاختيارات التي تجريها موجهة نحو قياس مدى تحقيق تلك النتاجات وتمثل الطلبة لها. إن من واجب المعلم أن يستخدم النظام الفئوي لتحديد درجات الطلاب وترتيبهم حتى يتنافسوا مع أنفسهم ليصلوا إلى المعيار المرضي وليكن نتاجه مركزًا نحو تحقيق النتاجات وليس تصنيف الطلاب. إن تشدد المعلم في تقييم درجات الطلاب وتدني معدلاتهم لا يقدم دليلًا على الدقة، ولكنه ربما يقدم دليلًا على الفشل إما في إجراء التقييم أو الفشل في التأثير على تفكير الطلاب ونشاطهم الذهني. إن من نتاجاتنا كمعلمين مساعدة الجميع لتحقيق نتاجاتهم في النجاح وليس من نتاجاتنا أن نصنفهم إلى ناجحين وفاشلين. التعلم الجماعي أسلوب تعم فائدته الجميع، يتحملون من خلاله المسؤولية والتعاون وكذلك التنافس، ويزداد بذلك تعلمهم، من المهم هنا شرح أسباب وكيفية تشكيل المجموعات ومتطلباتها ومسؤوليات كل مجموعة، وهنا أُشير أن الأسلوب يرفع من مستوى قدرات جميع الطلبة. ليس مهمًا مقدار الجهد أو الوقت الذي تبذله أو تقضيه داخل الصف، وإنما ما تحققه من إنجازات، فالشخصية القيادية هي الأكثر تصميمًا على تحقيق إنجازات بوسائلها الخاصة. يحصل على المكافأة المعلمون الأكثر كفاية وإخلاصًا، إنهم الأكثر سعادة وتوافقًا مع ذواتهم.. وهم الذين يحظون بالتقدير والاحترام ويكسبون جوانب معنوية ومادية أكثر من سواهم. المعلمون الأكثر نجاحًا واستمتاعًا بعملهم، هم الذين يحققون بها نتاجات غيرهم ويحققون نتاجاتهم الشخصية من خلالها في توافق وانسجام. المعلم الحقيقي لا يتوقف عن طلب العلم، ويسعى باستمرار إلى تطوير نفسه، إنه بهذا يشعر بالتجديد والتطور والثقة، وينعم باحترام الآخرين وإعجابهم. تذكر أنه لا يمكنك إنجاز شيء ما بالكسل والتقاعس وإضاعة الوقت، كافىء نفسك بالإنجاز، وكن في موقع الصدارة بين زملائك. عامل طلابك على أنهم أشخاص مهمون، امنحهم الثقة وأشعرهم بأهميتهم وفعاليتهم في إدارة الصف، وبأنهم معنيون بتفعيله وضبطه ومعنيون بتحقيق النتاجات التربوية، امنحهم تقديرًا إيجابيًا لذواتهم. قل لطلابك إن الله خلقكم في أحسن تقويم، وبأن الله كما فرق بينكم في إبهام وبصمة العين، فقد فرق بينكم في الخبرات، وإن كل واحد منكم يمتلك قدرة ما. قد يتميز بها عن باقي أقرانه، وقد يتميز بها حتى عن معلمه، ابحثوا عن مصادر القوة في ذواتكم، إنها موجودة حتمًا، اكتشفوها، وتعالوا نتشارك في تطويرها إلى أقصى مدى فالتنقيب عن الثروة البشرية واستثمارها أهم بكثير من التنقيب عن الثروات المادية واستغلالها. عامل طلابك على أنهم يعرفون أشياء، لكن هذه المعرفة بحاجة إلى إضافة وتحسين وتطوير، امنحهم الثقة بما لديهم، وابدأ معهم من حيث هم وانتهِ بهم إلى حيث تريد، إنّ هذا من شأنه أن يكون لديهم اتجاهات إيجابية نحو ذواتهم ونحو المعلم والعملية التعليمية التعلمية وبالتالي إنجازهم لمهماتهم بدافعية وبجهد كبيرين. ديناميكيات الجماعة تقول إن الطلبة هم جماعة، قد لا تكون بالضرورة متقاربة في مهاراتها وقدراتها أو استعداداتها. وهنا أشير إلى نقطة هامة جدًا أن ذوي القدرات العالية لديهم اتجاهات إيجابية نحو التعلم، وأنهم يعملوا بجد أكبر حتى ولو كانت الموارد والتسهيلات في حدها الأدنى، وبأن ذوي القدرات المتدنية، أميل إلى إدراك التعلم على نحو أكثر سلبية وإلى اعتبار أن كثيرًا من النشاطات التي يقومون بها داخل الصف هي مضيعة للوقت والجهد. إن غالبية المعلمين يميلون إلى بناء نشاطاتهم الصفية ضمن مستوى متوسط، وهذا قد يكون على حساب ذوي القدرات العالية والمتدنية، لهذا فهم يربطون بين المعلم وبين شعورهم بالملل ومن ثم إعاقة عملية التعلم والتوصية هنا أنه يجب على المعلم أن ينوع في أساليب وطرائق التدريس وأن يشجع المشاركة والعصف الذهني وأن يشجع التعلم على شكل مجموعات. قد يواجهك في غرفة الصف طلبة من فئة القادة أو النجوم أو المنعزلين أو الانبساطيين أو الانطوائيين أو الاندفاعيين أو التأمليين، سيواجهك حتمًا واحد أو أكثر من هؤلاء، إن لم يكن في هذا الصف ففي صف دراسي آخر، تذكر أن المعلم سيكولوجي قادر على الاكتشاف والفهم والتحليل، وأنه يمتلك حقيبة من وسائل وأساليب وطرائق التدريس وأشكاله، يمكن استخدامها وفقًا لخصائص الطلاب وطبيعة الدرس وموضوعه. المعلمون حديثو الخبرة يعانون من التوتر، ويواجهون مشكلات في سيطرتهم على الموقف التدريسي، إن من واجبنا كهيئة تدريس أن تقدم التوجيه لزملائنا الجدد بدلًا من أن تتصيد أخطاءهم، مثلما أن على المعلم الجديد ألا يتحرج من مناقشة زملائه من المدرسين القدامى الذين سيرحبون حتمًا بتقديم خبراتهم وتوجياتهم له. إدارة التعلم الفعّال متطلب سابق لتحقيق التدريب الفعال، قد يمتلك المعلم معرفة وفهمًا ممتازين في موضوع تخصصه، لكنه يبقى عاجزًا ما لم يمتلك الأساليب والطرائق ومهارات الاتصال والإقناع والتأثير وخلق بيئة نفسية تسهل عملية التعلم. التعليم الفعال يعتمد بشكل كبير على؛ علاقة المعلم بالطلبة، و البيئة المادية والبيئة النفسية للصف، والتخطيط والإعداد للتعليم، وانهماك الطلبة في عملية التعلم، والوسائل والأساليب والطرائق الملائمة، والمعلم كنموذج وكمستخدم للوقت. وإن الطريقة التي تؤثر فيها علاقة المعلم الإيجابية مع طلابه؛ قنوات اتصال فعالة، واتجاهات إيجابية نحو المعلم ونحو عملية التعليم، ومناخ نفسي إيجابي، وتعليمات صفية واضحة ومقنعة وميسرة في التطبيق، وفرص نجاح للجميع، وتقدير إيجابي للذات.
عزيزي المعلم، كن حريصًا على توفير بيئة تعلم ملائمة وعلى توفير التسهيلات، وهنا أُشير إلى وجود علاقة ما بين بيئة التدريب الجذابة وبين توقعات الطلبة العالية وهو ما يمكن أن ينعكس على تفاعلهم الإيجابي. كذلك؛ المعلم الناجح يسأل طلابه أثناء وعند انتهاء العام الدراسي، ولربما بالاستعانة باستبانة من تصميمه، تتضمن سؤال طلبته : هل أنا عادل هل أنا مخلص هل أنا ممتع أعطيك الفرصة أشجعك هل أنا صبور معك أحترمك أبتسم في وجهك، مرح، ودود… أنظر إليك أثناء الدرس … الخ. فالمعلم الناجح يستفيد من هذه الإجابات في تطوير ذاته وتحسين أدائه.
عزيزي المعلم: لا تقدم معلومات غير موثوق بصحتها، وهنا أُشير من أجل أن يتعلم المرء شيئًا جديدًا يحتاج إلى تكراره عدة مرات، ومن أجل أن ينسى المرء سلوكًا خاطئًا ليحل محله سلوك صحيح، فإنه يحتاج إلى تكراره أكثر من مرة. وكذلك؛ سواء اعتقد طلابك أنهم قادرون على فعل شيء ما أو أنهم غير قادرين على ذلك، فإنهم على حق في جميع الأحوال.
عزيزي المعلم،، يمكن أن تتحقق جميع أحلامنا إذا ما كانت لدينا الشجاعة للسعي وراء تحقيقها، ففي خضم المعاناة والصعوبات تتاح الفرص، والنجاح هو استثمار المرء الحد الأقصى من طاقاته وإمكاناته. وتكمن السعادة والفرح الغامر والانتعاش في داخلنا، فحاول أن تشعر بذلك.
وفي النهاية،،، لن يكون مهمًا بعد خمسين عامًا أي نوع من البيوت كنت أسكن فيه، أو كيف كانت ملابسي، أو نوع السيارة التي كنت أقودها … المهم أنني لعبت دورًا مفيدًا في تطوير البشر.