مقالات
أخر الأخبار

المجالي تكتب : تحليل خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الامة العشرين : رؤية استراتيجية نحو تحديث الأردن وترسيخ الثواب الوطنية

22 الاعلامي – بقلم ديما المجالي

في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة العشرين، حمل خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني رسائل عميقة تتعلق بمستقبل الأردن وتوجهاته السياسية والاجتماعية. هذا الخطاب، الذي جاء محملاً برؤى استراتيجية، استند إلى الأسس الوطنية والدينية التي تعكس الهوية الراسخة للمملكة، في الوقت نفسه الذي أكد فيه على أهمية التحديث السياسي والإصلاحات التي تهدف إلى النهوض بالوطن.
من خلال هذا التحليل، أقدم قراءتي الشخصية لما تضمنه الخطاب من مضامين تبرز التزام جلالة الملك بمصلحة المواطن الأردني ودعمه لمسار التغيير الشامل.
كان بدء جلالة الملك بالبسملة والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم مؤشراً على الارتباط القوي بالقيم الإسلامية والهوية الثقافية للأردن، هذه البداية تعكس الطابع الرسمي الذي يميز خطابات الملك، وتجسد التزام القيادة بالأسس الدينية والأخلاقية في إدارة شؤون الدولة، كما أن التحية المباشرة للنواب والأعيان كانت تعبيراً عن احترام القيادة لممثلي الشعب، وهي رسالة تهدف إلى تأكيد وحدة الصف وتعاون جميع القوى الوطنية من أجل المصلحة العامة. وفي تهنئته للنواب الجدد، أكد جلالة الملك على بدء مرحلة جديدة من البناء والتحديث، وهو ما يعكس الثقة في قدرة المجلس على لعب دور فعال في تحقيق الأهداف الوطنية، ويعزز من روح العمل الجماعي.
وركز جلالة الملك في خطابه على أن المجلس الجديد يمثل “مرحلة جديدة” في البناء والتحديث. هذه الرؤية ليست مجرد كلمات، بل هي دعوة حقيقية للعمل الجاد والمثمر من أجل خدمة الأردن والأردنيين. وعبر هذه الكلمات، نقل الملك رسالة مفادها أن المواطن الأردني هو حجر الزاوية في أي عملية تنموية أو إصلاحية، كما أن نجاح أي خطة سياسية أو اجتماعية لا يتحقق إلا إذا كان في خدمة الإنسان الأردني أولاً وأخيراً.
ومن خلال الحديث عن التحديث والبناء، أشار جلالة الملك إلى ضرورة تطوير السياسات والتشريعات بما يتماشى مع رؤية الدولة للنهوض بالمجتمع. كما أن الخطاب ركز على مفهوم الوحدة والمسؤولية المشتركة، حيث استخدم الملك صيغة الجمع في العديد من المقاطع ( نأمل ، نبارك)، مما يعكس دعوة للعمل الجماعي بين مختلف مؤسسات الدولة لخدمة المصالح العليا.
لقد كان التأكيد على انتخاب النواب نقطة محورية في الخطاب، حيث أظهر جلالة الملك التزامه العميق بالعملية الديمقراطية في الأردن وهذا يشير إلى رغبة حقيقية في تعزيز الثقة الشعبية في المؤسسات الدستورية، وتأكيد على أن الانتخابات تشكل خطوة نحو تعزيز الاستقرار السياسي.
كما أشار الملك في خطابه إلى أهمية التحديث السياسي كخطوة نحو تعزيز العمل الحزبي المؤسسي، بما يتوافق مع تطلعات المواطنين في تحسين الأداء السياسي. و أكد جلالته على تمكين المرأة والشباب، معتبراً إياهما من المحركات الأساسية للتغيير. هذه الرسالة تبرز التزام القيادة بتعزيز الديمقراطية والمشاركة الفعالة لجميع فئات المجتمع، وهي خطوة استراتيجية نحو بناء مجتمع متوازن يشارك فيه الجميع. شخصياً، أعتقد أن التحديث السياسي في الأردن يحتاج إلى جهد حقيقي من جميع الأطراف السياسية، ولا سيما في مسألة تعزيز العمل الحزبي الذي يبقى أحد أبرز التحديات أمام الإصلاح السياسي الفعلي.
ودعا الملك إلى أداء نيابي يتسم بالنزاهة والتنافس الشريف، وركز على ضرورة أن يعمل النواب بروح الفريق لتحقيق الأهداف الوطنية. كان الهدف من هذا التوجيه هو تعزيز الثقة بين الشعب ومجلس النواب، من خلال ضمان أن تكون المصالح الوطنية فوق أي اعتبار شخصي أو فئوي. كما أكد جلالته على ضرورة الالتزام بمبادئ الشفافية والمساءلة، وهي دعوة قوية لتعزيز النزاهة في العمل البرلماني. ومن تجربتي الشخصية كمتابع للشأن السياسي الأردني، أرى أن تنفيذ هذه الدعوة يتطلب منظومة حوافز وعقوبات تضمن الالتزام بمعايير الشفافية، وقد لا تكون هذه المهمة سهلة في ظل وجود تحديات تتعلق بالفساد السياسي والتجاذبات الحزبية التي قد تؤثر على الأداء النيابي.
أشار جلالة الملك إلى أن تحقيق “الحياة الكريمة” للمواطنين وفتح آفاق جديدة للشباب من خلال تأهيلهم لمواكبة تحديات المستقبل، يعتبران من الأولويات الوطنية، وهذه الأولويات تعكس الاهتمام العميق بقيادة قادرة على توفير حلول عملية للنهوض بالوطن. كما أن الحديث عن تحديث القطاع العام يبرز التزام الملك بالإصلاحات الهيكلية التي من شأنها أن ترفع من كفاءة الحكومة وتزيد من قدرتها على مواجهة الأزمات. أرى أن تحسين الأداء الحكومي يحتاج إلى استثمار حقيقي في العنصر البشري وتهيئة بيئة تشجع على الابتكار والإبداع داخل القطاع العام، وهو ما يمكن أن يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
وفي خطابه، أكد جلالة الملك على الهوية الوطنية بأن الأردن هو وطن عظيم بفضل إرثه الهاشمي، مما يعزز مكانته كدولة ذات سيادة وقوة في المنطقة والعالم، كما شدد على موقف الأردن الثابت من القضية الفلسطينية، مؤكدًا التزام المملكة بالسلام العادل والشامل وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
كما أكد جلالته على دعم الأردن الثابت لغزة والشعب الفلسطيني سياسيًا وإنسانيًا، وهو ما يعكس التزام المملكة بتقديم المساعدات والإغاثة في أوقات الأزمات ،وأثنى جلالة الملك على جهود الأردنيين في دعم غزة، سواء على الصعيد الإنساني أو السياسي. وأشاد بالجيش والأجهزة الأمنية الأردنية، مؤكدًا أنهم مصدر فخر واعتزاز للأردن. وكمواطنة أردنية وطنية، أشعر بالفخر لوجود قوات أمنية قوية تدافع عن أمن الوطن، مما يعكس قوة الدولة الأردنية في مواجهة التحديات.
وأكد جلالته على مجموعة من القيم الوطنية التي تشكل الأسس التي يرتكز عليها مستقبل الأردن، حيث تركز الخطاب على قيمة الإنسان الأردني، التفاؤل بالمستقبل، الدعوة للإيمان والعزيمة، واختتم خطابه بتأكيد على وحدة الشعب الأردني وتلاحمه مع الأرض، قائلاً إن الأردن يجب أن يكون “عنواناً لكل خير”. هذه الجملة تعكس أهمية الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات.
استنادًا لما سبق يمكنني القول ، إن خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني كان خطاباً جامعاً يعكس التوجه الاستراتيجي للأردن في المرحلة المقبلة. فالخطاب تضمن رسائل قوية وواضحة تتعلق بالهوية الوطنية، التحديث السياسي، والتنمية الاقتصادية، فضلاً عن دعم الفئات الشبابية والنسائية في المجتمع. وتأكيدات جلالته على أهمية التزام المؤسسات الوطنية بالنزاهة والعمل الجماعي لتحقيق الأهداف الوطنية، فهذا الخطاب يعكس قيادة حكيمة تسعى بجد لتحقيق الاستقرار والنمو في الأردن، وتؤكد أن هناك رؤية واضحة للمستقبل يقوم الجميع بدورهم لتحقيقها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى