مقالات
أخر الأخبار

أطروحة دكتوراة في العقود المركبة وعقد التأمين، د. غادة القاضي

22 الاعلامي – كتب أ.د. حمزة قطيش الأزايدة عن أطروحة د.غادة محمود القاضي:

 قال تعالى ” الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”

فالمعاملات في الشريعة الإسلامية معاملات ربانية المصدر، أي أن مصدر أخذ الأحكام في هذه المعاملات من الله سبحانه وتعالى عن طريق كتابه المنزل على نبيه صل الله عليه وسلم ومن السنة النبوية المطهرة، فنجد المعاملات الإسلامية مبنية على العدل الكامل فلا ترى فيه ظلم ولا جور، ولقد جعل الإسلام المعاملات جزءًا لا يتجزأ من عقيدة المسلم فبتطبيق أحكام المعاملات تنصاع لأوامر الله تعالى وتجتنب نواهيه.

فتمثِّل المعاملات في الشريعة الإسلامية تنظيماً لعلاقات الناس ببعضهم البعض، إذ لولا هذا التنظيم لحلَّ النزاع لامتدَّ الخصام؛ وذلك أنه لا مندوحة من حدوث الخلاف بينهم في بياعاتهم ومعاملاتهم، وإنَّ الالتزام بأحكام الشرع الهادية عاصمةٌ من الوقوع في مهاوي التنازع والخصام.

    ولعل الأصل الذي يقوم عليه بناء المعاملات في شريعتنا، اعتبار العرف والعادة، فما جرى على طريقهما فالأصل فيه الإباحة بخلاف قاعدة العبادات القائمة على أصل الحظر، فأيّما معاملةٍ استُحدِثَت في دنيا الناس فهي مباحة وفق الأًصل الآنف، لكنه لا يعني انفكاكه بالكامل عن حكم الشرع الذي وضع قواعد مُمهِّدات تُمثِّل أسس بناء المعاملات، فالشريعة لم تقرر فصيلاً بنائياً في المعاملات كما فعلت في العبادات، بل كشفت عن جملة من الخطوط العريضة التي ينبغي مراعاتها وفق أصل الحلِّ فيها.

كتبت الدكتورة غادة محمود القاضي في أطروحتها والتي تحمل عنوان “تركيب العقود في الفقه الإسلامي دراسة تأصيلية تطبيقية على عقود التأمين الإسلامي بحسب معيار أيوفي 26” والتي نُشرت في عام 2022، من جامعة العلوم الإسلامية العالمية، عن العقود وأنواعها وشروطها.

 فمن العقود ما هو أحادي الماهية ومنها ما هو مُركَّب من أكثر من عقد، كعقد الفندقة المعاصر الذي يدخل فيه البيع والإجارة والتوكيل ليحقق هدفه في الوجود والتطور، وكعقد التأمين المركب من الإجارة والشركة، ومثل هذه العقود المعاصرة بحاجةٍ إلى فيصل الفقه وحكمه، فانبرى المعاصرون في تأملها وتنزيلها وتأصيلها وفق نظرية العقد الفقهي لدينا، سائرين على أصول القدماء في التعامل مع عقود زمانهم.

 والعقود – كما نعلم – مُغيَّاةٌ بمعاني ومقاصد كلية عامة، فهي الفلك الذي تدور فيه كافة العقود والاتفاقيات، ويجب أن تظل هذه العقود وفق مراس الشرع ومقاصده، وإلا ضربها الخلل والظلم بعطن وانسلخت من حِكَمها وابتعدت عن غاياتها، وعلى هذا المهيع سارت الثروة الفقهية التي استنبطها فقهاؤنا وأسلافنا منذ نزول الوحي إلى يومنا هذا سيراً متلازماً نصوص الشريعة المقدسة.

   وتأتي أطروحة الدكتورة القاضي في الكشف عن هذا النوع من العقود في محاولة لتأصيلها، مُطبِّقةً ذلك على عقد التأمين وفق معطيات معيار أيوفي (26) الذي أقرَّته هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، فقامت في الفصل الأول بدراسة تمهيدية لمصطلح تركِّب العقود والفرق بينها وبين العقود التقليدية، وتطرَّقت لمفهوم عقد التأمين المعاصر، ولما كانت الدراسة مسيسةَ بمعيار أيوفي، فقد رأت لزاماً عليها التعريف به وتوضيحه.

   أما الفصل الثاني فبحثت صور الجمع بين العقود، والأصول الحاكمة لهذه الصور، فرأينا اجتماع عقدي معاوضة، أو عقد معاوضة مع عقد تبرع، أو عقدي تبرع، وختمت الفصل بمبحث لضوابط الجمع، واستخلصت خمسة ضوابط للجواز.

   أما الفصل الثالث والذي يمثل جسم الأطروحة، فقد قامت الباحثة بمحاكمة عقد التأمين المركب حسب معيار أيوفي ومدى انطباق الضوابط الشرعية عليه، فتعرَّضت للشركة المساهمة ولعقد المضاربة ولعقد الوكالة بأجر والقرض الحسن، فجاءت دراستها شاملة للمباحث المتعلِّقة، وقد نجحت الباحثة في التنقل المنهجي بين الفصول والمباحث والمطالب بحيث يجد القارئ سلاسة في قراءة الرسالة، إذ تعرضُ للإشكالية ثم تُمهَّد الخوض فيها بانتقالاتها الحسنة.

  وتدرَّعت الباحثة بعدد من المناهج العلمية المناسبة لموضوع الرسالة، فانتهجت الاستقراء الظني الناقص القائم على تتبع محالّ البحث مما كتبه السادة الفقهاء لما أنَّ الاستقراء القطعي التام متعذرٌ لدى الباحثين، فلا يستطيع باحثٌ الاطلاع على كل ما خطَّه الفقه الإسلامي في مادة البحث، وكذا المنهج التحليلي الوصفي القائم على بناء المسألة الفقهية وتصويرها وتوجيه الأدلة ومناقشتها والترجيح فيها، ولا يخفى المنهج الاستنباطي القائم على استنطاق النصوص واستلال احكامها، ووُسمت الرسالة بشكل جلي بالمنهج التطبيقي، إذ اتخذت عقد التأمين تطبيقا لما قررته في الفصلين الأوليين.

  وجاءت رسالة الباحثة أخيرا مشفوعة بالمصادر والمراجع المتخصصة الكافية والمتنوعة، الأمر الذي جعل من رسالتها ثرية في التوثيق، فلا غرو أن تُعدَّ الأطروحة إحدى المصادر المعاصرة في موضوعها. نفع الله بها وبعلمها وبنا وبكم، جعل ذلك في موازين اعمالها واعمالنا جميعا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى