مقالات

من هو هذا الطفل الشجاع!

22 الاعلامي – بقلم:عوض عبد الفتاح

يملأ النومُ جفنَينا، في حين أن آخرين لا يستطيعوا إغماض العينين في كثير من الليالي. لا نعني فقط اللاجئين، ضحايا الاستعمار والاستبداد، والفقراء والجوعى، الذين ولدوا فقراءً، ومات الكثير منهم فقراءً في عالم قاسٍ تحكمه مافيات مالية وسياسية، عديمة الضمير، قبل أن ينتفضَ هؤلاء الفقراء والمقهورون، ويهزموا من أفقرهم واضطهدهم، في أحيانٍ كثيرة. إنما نقصد عائلات أسرى الحرية في فلسطين وأماكن كثيرة في العالم، حيث تزدهر صناعة الاضطهاد والقهر والاستبداد، والتي تكتوي بنارها عائلات الضحايا أيضا، إما من خلال التنكيل المباشر أو الحرمان من التواصل مع فلذة أكبادها أو رفض تقديم العلاج لهم أو تغييبهم كليًا، وغيرها من فنون التنكيل اللاإنسانية.

وفي سياق متابعة قصص الطفولة الفلسطينية المُعنّفة، من قبل سلطات الاستعمار الصهيوني، نتابع قصة طفلٍ فلسطيني يصرُّ على أن يعيش حرًّا، ويمارسُ حياته كأي طفل في العالم. إسرائيل تصوّر هذا الأمر خطرًا أمنيًا، فيلقى التنكيل، ويُزجّ في السجن، دون تهمة محدّدة، ولم يبلغ في حينه السادسة عشرة.

اسم هذا الطفل أمل عرابي نخلة.

اليوم، هو في السابعة عشرة من عمره، ابن لعائلة لاجئة، طردها الصهاينة عام 1948، لتستقر في مخيم الجلزون شمال مدينة رام الله. في الـ22 من هذا الشهر، جُدّد اعتقاله الإداري للمرة الرابعة، رغم المناشدات المتكررة من منظمات دولية وإنسانية لإطلاق سراحه. وقبله، اعتقل أخيه الأكبر أسامة، وقضى 16 عشر شهرًا، وتحرر الصيف الماضي.

يعاني أمل من مرضٍ عضال، اسمه الوهن العضلي، ويسبب ضعفًا في العضلات وصعوبة في البلع. أجريت له عملية جراحية لإزالة ورمٍ من قفصه الصدري، قبل أن يعتقل بأسابيع.

وقبل أيام، تواصل معي والده، الصديق مُعمّر، وصوته متوتر، طالبًا المساعدة في الوصول إلى من يمكن مدّ يد التعاون لمعرفة الوضع الصحي لولده، بعد أن بلغه خبر إصابته بمرض كورونا، ويمكن تخّيل حالة أي واحدٍ منا، والد أو والدة، كيف سيكون حالنا عندما نتلقى خبرًا كهذا، يخصُّ ابنًا معتقلًا، مصابًا أصلا بمرض مزمن وصعب، وما أغلى من الابن أو الابنة. في النهاية، تمكّن النائب سامي أبو شحادة من التواصل مع إدارة السجن للاطمئنان على صحته. غير أن المأساة، مأساة الأسر والمعاناة، متواصلة.

والوالد، معمر، 50 عاما، أسير حرية سابق، أيضًا، وشخصيّته صلبة. زجّه الاحتلال في المعتقل لعدة سنوات، وهو اليوم يدير محطة تلفزيونية وطنية مستقلة، تتعرض بين الحين والآخر، للملاحقة من الاحتلال وسلطة أوسلو. ومع ذلك يصرُّ، أسوةً ببعض وسائل إعلام فلسطينية مستقلة أخرى، على أنه لن يتراجع عن مواقفه وسياسات المحطة، المتمسكة بالحق الفلسطيني، والعدالة، والحرية، والمناهضة لنظام الأبرتهايد، والناقدة للحالة الفلسطينية الرسمية الراهنة.

يقبع اليوم في معتقلات الصهيونية 190 طفلا، بتهمة مقاومة الاحتلال، من بين أكثر من خمسة آلاف معتقل، والمئات منهم يخضعون لاعتقال إداري يتجدّد تلقائيًا، كل ستة أشهر، أي دون توجيه تهمة محددة. وكان آخر أسير انتزع حريته من الاعتقال الإداري المناضل هشام أبو هواش، بعد 141 يوما من معاناة الإضراب عن الطعام. ولا يزال هناك عدد من الأسرى يخوض هذه المعركة بالغة القسوة، معركة الجوع، في سياق مسيرة انعتاق شامل من قاهر متوحش، جاءنا من وراء البحار، بلبوس “الحداثة والتنور”.

ليس المقصد من هذه المقالة إعادة التأكيد على وحشية المستعمر، التي تنفضح يوما بعد يوم أكثر من أي وقت مضى، في ميادين المواجهة في فلسطين، وساحات الحراكات الشعبية في مختلف أنحاء العالم. بل أولا لإعادة التأكيد على أهمية التضامن والمساندة لأهالي الأسرى، وعدم الانقطاع عن تدريب أحاسيسنا تجاه البعد الإنساني تجاههم، وتجاه كل أسير حرية في العالم بما فيه العالم العربي؛ وثانيا لنتعلم جميعا معنى الكرامة والنضال والصمود، والاستعداد لدفع الثمن.

إننا حين نُجسّدُ جميعنا هذا الاستعداد الدائم لمقاومة القهر، والذي نتخلّص من خلاله من ترهّلنا، ونعيد بناء إنسانيتنا، ونُجدد روحنا، نكون قد ولدنا من جديد، وجدّدنا الأمل في فجر جديد.

إسرائيل تخاف حقيقةً من هذا الجيل، الجيل الجديد، الذي طوّر لغة ومقاربة جديدتين، يستطيع من خلالها مخاطبة العالم، والمساهمة في تفكيك الخرافة الصهيونية التي تم تجسيدها ماديًا في مشروع إجرامي إحلالي.

الحرية للفتى الشجاع أمل، ولطلائع الجيل الجديد، ولآلاف أسرى الحرية.

عن “عرب ٤٨”

المصدر-القدس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى