مقالات
أخر الأخبار

تعديلات قانون الجرائم الالكترونية والحقائق المنبثقة

22 الاعلامي – بقلم د. عدنان سعد الزعبي

من الواضح أن قانون مكافحة الجرائم الالكترونية وتعديلاته قد حاز على اهتمام كبير من قبل الأوساط المختلفة في الأردن، وأن دراماتيكية إقرار التعديلات كانت بمثابة سباق مرثون تبين من خلالها حقائق لا بد وأن ندركها في المجتمع الأردني.

أولى هذه الحقائق: أن المجتمع ما زال لا يتمتع بثقافة إعلامية وتربية إعلامية حقيقية تمكن الفرد من التعامل مع المحتوى أو المضمون بوعي قانوني أو إجتماعي أو سياسي، وما زلنا نعتقد أن الحرية حق مطلق لا ينتهي عند حقوق الاخرين ولا يتوقف عند معرفة الضرر الشخصي، أو المجتمعي، أو السياسي والاقتصادي؟ ودليلنا، هذا التزايد الكبير في قضايا القدح والذم والتشهير، والاشاعات، وخطاب الكراهية، والمعلومات المغلوطة وغيرها من الارتكابات غير القانونية. مما يشير إلى أن تجربتنا في التربية الإعلامية وخاصة لجيل الشباب في المدارس والجامعات لم يفلح، ولم تعكس النتيجة المرجوة على عكس ما يتحدث به القائمون على برامج التربية الإعلامية في الأردن.

وما التعديلات المغلضة للعقوبات بحق مرتكبي هذه الأفعال إلا دليلا على ضعف هذه البرامج. فتعديلات القانون شهدت توافقا حكوميا برلمانيا واضحا تمثل حقيقة بإقرارها وقبول هذه التغليضات بعملية دستورية شهدها المواطن الأردني على شاشات التلفزيون. وهذا يعني أننا بحاجة إلى تعظيم مسيرة التربية الإعلامية، وبشكل جاد وإيجاد سبل أخرى لتفعيلها وتطبيقها بين الشباب، في المدارس والجامعات، وإلا سنشهد المزيد من التعديلات المتلاحقة.

الحقيقة الثانية: تؤشر على أن الحكومة وفي مشروع التعديلات عادة ما تترك هامشا حقيقيا ، للنواب ، لاضفاء صفة التغيير على ما جاءت به الحكومةـ مع الإبقاء على العناصر الأهم التي تريدها دون تعديل أو يقف النواب عن سقف معين لا يجوز تجاوزه ، فتغليض العقوبة الى مستوى 40 الف دينار والحبس عقوبتين غير منطقيتين سواء مجتمعتين أو منفردتين ، والجميع يدرك ذلك بما فيها الحكومة نفسها ، غير أنها تركت مجالا للنواب لتخفيف العقوبة أو تجزئتها ، حتى يكون للنواب دور في تعديل مثل هذه التشريعات المهمة أمام قواعدهم الانتخابية ، ورغم إدراكي التام بأن ما جاء في تعديلات القانون يؤكد على أن الحكومة تصرفت بناء على خلفيات رقمية وإحصائيات ساقتها في مجمل الأسباب الموجبة ، ومهدت لها بتصريحات هنا وهناك ، فأننا لا ننكر بأنها اختارت ما يتناسب مع هواجس النواب خاصة الذين عانوا من شطحات وتعليقات وانتقادات وسائل السوشيل ميديا الداخلية. في حين وجدت الوسائل الخارجية من يغذيها في الداخل لاسباب شخصية أو مناصبية أو تطلعية . فمثل هذه الظواهر أصبحت سمة عند البعض ، غير مكترثين بحقيقة المعلومة المسربة ، وانعكاسها على المجتمع ، باعتبارها محاولات تشويش ، تؤلم خاصرة الوطن وأمنه الاجتماعي . وتشكك بالسلطات ، مما تؤثر على العلاقة بينها وبين المواطن ، ونزغ الثقة منها ، ويشكك بها وبقراراتها .

اما الحقيقة الثالثة : والتي تقوم على دور الوسط الإعلامي في الدفاع عن المهنة وخاصة الحرية ومهنية الصحفي ، فمن الواضح ان هذا الوسط لم يفلح في تشكيل رأي عام قوي يقنع أعضاء مجلس الامة في تبني وجهة نظره ، كذلك لم يمنع الحكومة في آدائه لمواجهة ما حذرت منه الحكومات، وما اشارت اليه تجاه الممارسات التي تصدر عبر وسائل الاتصال وخاصة الرقمية ، فالاساس أن تفًعل النقابة ومؤسسات الاعلام الأخرى للحد من مشاهد الخروج عن الحرية المسؤولة خاصة من السوشيل ميديا ، من خلال تعزيز وتعظيم مواثيق الشرف الإعلاميه، وإيصالها لكل المواطنين حتى تكون رادعا لكل من ينتمي للنقابة ، ومرجعية للمواطنين الذين لا يدركون عقبات الخروج على القانون ، ولهذا فعلى النقابة مسؤولية تثقيفية وتوعوية كبرى لنقل الناس إلى حالة المعرفة ، ليس من جانب المهام ، بل من باب المسؤولية ، لان الحكومة لن تقف عند هذه التعديلات إذا ما استمر الحال على ما هو عليه. ولهذا فإن على النقابة متابعة واقع الحال الإعلامي والتصرف بناء عليه ، حيث تربط القواعدة الإعلاميية -وجود القوانين وتعديلاتها المغلضة – بالفراغ الذي تتركه النقابات والجمعيات والهيئات العامة المعنية .

أما الحقيقة الرابعة ، والتي نتحدث بها حول الحريات وموقف الأردن الدولي من ذلك ، فالحقيقة التي على الجميع معرفتها أن حماية المجتمع والسلم العام الاجتماعي وحقوق الناس شيء يجب إحترامه وأن مصلحة المجتمع عند المواثيق الدولية أهم من مصلحة الفرد عند المقاربة ، لهذا فإن المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تقدم مصلحة الدولة على مصلحة الفرد مع أنهما بالأساس يجب أن لا يختلفان بل لا بد من أن يكملان بعضهما البعض ،خاصة أن كلاهما مشتركان في حماية الامن القومي ، والنظام العام والصحة العامة والآداب العامة و السلم العام. ولهذا فإن قناعة أعضاء مجلس الامة بما ذهبت به الحكومة كان اقرب إلى هذا البعد الذي وجدوا فيه ، بعدا عن النقد البناء ، والممارسة المهنية الإعلامية بأخلاقياتها ، ومعزولا عن مفاهيم وقيم الحرية المسؤولة التي تكشف وتراقب وتتابع وتستقصي الحقيقة ، بل تسلحت بمظاهرها وسلكت عكسها فكانت النتيجة.

وأخيرا يأتي دور السؤال الأهم ، هل ما جاء بالتعديلات وتغليضها رغم وجودها بالقانون لمصلحة المسيرة الأردنية ومفهوم الإصلاح الذي تتبناه الدولة الأردنية بسلطاتها الثلاث مدفوعة بالارادة العليا ؟ لنجد أن الشكل العام والمعنى الظاهري السطحي لما جرى يقول بالطبع لا ، لإن تغليض العقوبة يعني الحد من الحريات وخلق رقابة داخلية مخيف للوسط الإعلامي كما يقول الاعلاميون ؟ ، ولكن ، أيهما افضل التغني بشعارات الحرية ، ونحن لا نفرق بين الحرية المسؤولة ، وفوضى الحرية التي تجتاح القرار الصائب ، وتنال من الشخصية المجتهدة ، وتأكل من لحم الناس وتشهر بهم ، أو الضبط الاحترازي من أجل بناء سلوكيات منسجمة مع مصلحة الوطن التي هي مصلحة الجميع ، والذي يحتاج الى قيام المؤسسات الإعلامية والحزبية ومراكز الشباب ، والمنتديات وغيرها باجراء مراجعات عميقة لتنقية وتطهير العمل التواصلي عبر هذه الوسائل ، وبناء خطط وبرامج قادرة لتفعيل دور هذه المؤسسات وتعاونها وزيادة تأثيرها في إطار التوعية الإعلامية . وهنا لا بد من خلق فريق عمل ذا مستوى عال تشارك به مؤسسات التربية والتعليم العالي و الاعلام والتوجية والإرشاد والثقافة والجامعات لوضع برنامجا عمليا وجداول زمنية تعزيز الوعي الإعلامي والحوكمة الرشيدة في لتعامل الإيجابي للمضمون والمحتوى عند الناس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى