
22 الاعلامي – بقلم : فادي البوري
في ظل المتغيرات السريعة التي يشهدها العالم، باتت الحاجة ملحّة للبحث عن بيئات استثمارية مستقرة، وذات إمكانات مستقبلية واعدة فالأردن، برغم التحديات الإقليمية والموارد المحدودة، يقدّم نموذجًا متماسكًا لبيئة استثمارية تنبض بالإمكانيات والفرص فقد استطاع الاردن، الصغير بمساحته، أن يؤسس لبنية تحتية اقتصادية وقانونية تستقطب أنظار المستثمرين، وتمنحهم الثقة في مستقبل أعمالهم.
الاستقرار السياسي والأمني هو الركيزة الأولى التي يُبنى عليها أي قرار استثماري ناجح، والأردن يتميز بهذا الاستقرار منذ عقود. فالنظام السياسي يتمتع برؤية معتدلة ومتوازنة، والمؤسسات تعمل بانسجام، والقوانين تُحترم وتُنفذ الأمن العام قوي ومنضبط، وهو ما يعطي للمستثمر شعورًا بالثقة والاطمئنان، خصوصًا عند مقارنة الأوضاع في بلدان الجوار التي تعاني من أزمات متلاحقة.
أما من حيث الموقع الجغرافي، فإن الأردن يقع في قلب الشرق الأوسط، وهو نقطة عبور مهمة بين الدول الخليجية ودول الشام والعراق ومصر وهذا الموقع يمنحه أفضلية لوجستية سواء في التجارة أو في إقامة المشاريع التي تتطلب سهولة الوصول إلى أكثر من سوق إقليمي فميناء العقبة، كمنفذ بحري وحيد، يضطلع بدور محوري في حركة الاستيراد والتصدير، وقد شهد تطويرًا كبيرًا ليواكب الاحتياجات المستقبلية.
في السياق ذاته، فقد أولت الدولة اهتمامًا بالغًا بتحديث منظومتها القانونية، حيث تم إطلاق هيئات ومؤسسات للاستثمار لتكون بمثابة بوابة شاملة تسهّل الإجراءات أمام المستثمرين، وتقلل من البيروقراطية التي طالما كانت عائقًا في بلدان أخرى كما سنّت الحكومة حزمة من القوانين العصرية التي تمنح المستثمرين حقوقًا واضحة، وتوفر لهم الحماية القانونية والضريبية، فضلًا عن الحوافز المتعددة في المناطق التنموية، والمناطق الحرة، والمناطق الصناعية المؤهلة.
واحدة من أبرز نقاط القوة التي يتمتع بها الأردن هي الكفاءات البشرية. فبفضل نظام التعليم المتطور، يخرّج الأردن سنويًا آلاف الشباب المؤهلين في مختلف المجالات، خاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وقد أصبحت العاصمة عمّان مركزًا إقليميًا للشركات الناشئة، مما يدل على بيئة حاضنة للإبداع والريادة فهذه الموارد البشرية تشكل عامل جذب كبير للمستثمرين الذين يبحثون عن عمالة مدرّبة، ومنخفضة التكاليف نسبيًا، ومُجيدة للغات والمهارات التقنية.
على صعيد القطاعات الواعدة، فإن الفرص الاستثمارية في الأردن لا تقتصر على القطاع الصناعي أو التجاري فقط، بل تشمل مجالات ذات نمو مرتفع مثل الطاقة المتجددة، والخدمات الصحية، والسياحة العلاجية، والتعليم، والصناعات الغذائية فالأردن يُعد من أكثر الدول تعرضًا لأشعة الشمس، ما يجعله بيئة مثالية لمشاريع الطاقة الشمسية كما أن ارتفاع الطلب على التعليم النوعي والخدمات الطبية المتقدمة من قبل دول الجوار، يمنح الأردن فرصة ليتحول إلى مركز إقليمي في هذين القطاعين.
ومن المهم التذكير بأن الأردن يملك شبكة اتفاقيات تجارية واسعة، تشمل اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، والدول العربية فهذه الاتفاقيات تمنح المنتجات الأردنية منفذًا مباشرًا إلى أسواق ضخمة دون رسوم جمركية، وهو عنصر حاسم لأي مستثمر صناعي أو تجاري يبحث عن توسيع أعماله خارج حدود الدولة المستضيفة.
إن رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقتها الحكومة مؤخرًا تعكس التزامًا حقيقيًا بإحداث تحول هيكلي في الاقتصاد الوطني، من خلال دعم الابتكار، وتشجيع الشراكة مع القطاع الخاص، وتحقيق نمو شامل ومستدام فهذه الرؤية لا تستهدف فقط رفع نسب الاستثمار، بل تهدف إلى بناء اقتصاد إنتاجي، يخلق فرص عمل، ويزيد من تنافسية الأردن على مستوى عالمي.
في الختام، يمكن القول إن الاستثمار في الأردن ليس فقط خيارًا اقتصاديًا ذكيًا، بل هو استثمار في الاستقرار، وفي المستقبل، وفي الإنسان فالأردن، بما يملكه من مقومات قانونية، وبشرية، وجغرافية، وسياسية، يمثّل أرضًا خصبة لمن يملك نظرة بعيدة، ويريد أن يكون جزءًا من قصة نمو حقيقية تنسجها المملكة بثقة وصبر وعزيمة.