عمال الخدمات بين مطرقة الشركات وسندان قانون العمل
22 الإعلامي-
يقف الحد الأدنى للأجور عائقا أمام أحلام الكثير من العمال في العيش حياة طبيعية، وتكوين أسرة، أسوة بغيرهم من
أبناء هذا الوطن، لكن سرعان ما تتبخر أحلامهم؛ لأن ما يتقاضونه لا يفي بمتطلبات معيشتهم اليومية.
فلم يتمكن العامل “س. م” البالغ من العمر 45 عاما من الزواج لأن الراتب الذي يتقاضاه لا يتجاوز 220 دينارا، وهو الحد الأدنى القديم للأجور منذ أن بدأ العمل في إحدى المستشفيات قبل 18 سنة عامل خدمات، ودون أية امتيازات طوال فترة خدمته.
يقول هذا العامل ، “لا يوجد أمامي أي خيار لأني مضطر للعمل 10 ساعات يوميا لتغطية مصاريفي الشخصية، وفي أغلب الأيام أعمل ساعات إضافية دون مقابل، بل إنني أتردد في المطالبة برفع راتبي أو حتى تحصيل “بدل الإضافي” أو الحصول على إجازة، رغم يقيني أنها حقوق نص عليها قانون العمل الأردني خوفا من تعرضي للفصل إن طالبت بذلك”.
عامل آخر في إحدى المؤسسات الصحية يتقاضى الحد الأدنى للأجور القديم 220 دينارا، يقول “إن الشركة أجبرته نهاية العام الماضي على التوقيع على ورقة خارجية يقر فيها بأنه تسلم راتبا قدره 260 دينارا من أجل تقديمها لمفتشي وزارة العمل عند زياراتهم التفتيشية للمنشأة”.
وفي السياق، أكد أحد عمال الخدمات “م. ن” أنه منذ قرابة سنة ونصف يعمل دون عقد عمل وبحسب الحد الأدنى للأجور القديم 220 دينارا بواقع 16 ساعة يوميا دون عطلة أسبوعية أو إجازات سواء أكانت مرضية أو سنوية.
ويقول “إن الشركة تعد برفع الرواتب لكنها تحتاج بعض الوقت، ولا ندري متى يأتي هذا الوقت”…. مضيفا “عندما بحثنا في موقع الضمان الاجتماعي تبين أن الشركة لم تحول اقتطاع الضمان للراتب منذ خمسة أشهر، بالإضافة إلى عدم توفير التأمين الصحي أو منح الإجازة المرضية تحت أي ظرف”.
بدوره، يؤكد العامل في قطاع الخدمات الذي يحمل شهادة الدبلوم، أنه منذ نحو سنة يدوام 8 ساعات يوميا دون أي نوع من الإجازات، كما يتقاضى الحد الأدنى للأجور القديم 220 دينارا، ويقتطع منه مبلغ 20 دينارا للضمان، ثم تبين أن القيمة المحولة لحساب الضمان 17 دينارا”.
ويقول: طالبت الشركة باحتساب الراتب وفق الحد الأدنى للأجور الجديد، لكنها رفضت بحجة أن العطاء الموقع مع وزارة الصحة الذي ينتهي في أيلول المقبل كان بناء على الحد الأدنى للأجور القديم.
فتاة تبلغ من العمر 27 عاما حاصلة على الشهادة الجامعية، تقول: اضطررت للعمل في شركة خدمات بإحدى المستشفيات منذ نحو عامين لحاجتي الضرورية للعمل، ولأن الشهادة التي أحملها في أحد التخصصات الراكدة، لذلك أنا محتاجة للعمل في هذا المجال، وبراتب لا يتجاوز 260 دينارا ودون أي زيادة أو حتى إجازة سنوية أو مرضية.
وناشدت الفتاة الجهات المعنية بالنظر إلى هذه الفئة من العمال في قطاع الخدمات الصحية، وإلزام أصحاب الشركات بالعقود والزيادات السنوية والإجازات والتأمين الصحي.
رئيس النقابة العامة للعاملين في الخدمات الصحية محمد غانم، يقول إن ظروف العمل التي توفرها شركات الخدمات للعاملين صعبة للغاية وغير لائقة، ولا يتوفر فيها الحد الأدنى من الحقوق التي كفلها قانون العمل من حيث ساعات العمل والأجور والاشتراك في الضمان الاجتماعي ومعايير السلامة والصحة المهنية وغيرها.
ونبه إلى أن هذه القضية بدأت منذ حوالي 25 عاما عندما أوقفت المؤسسات الرسمية التعيين على الدرجة الثالثة، وأصبحت تلجأ لشركات الخدمات في وظائف الأمن والحماية والنظافة وآداب الطعام وغيرها، وتوسعت المشكلة لتمتد إلى وزارات أخرى.
وبين أن الشركات تعمل من خلال عطاءات تلزمها للشركات الأقل سعرا، وهذا بدوره ينعكس على حقوق العمال وشروط العمل وظروفه، بالإضافة إلى أن هذه الشركات تعاني من مشاكل مالية تجعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه العاملين بما في ذلك الالتزام بالحد الأدنى للأجور.
وأوضح أن النقابة تبنت القضية وطرحت مشكلة العمال، وخاطبت وزارة العمل عدة مرات على مدى السنوات الماضية، ولكن بقيت الإشكالية قائمة دون حلول جذرية.
وطالب وزارة العمل بتشديد الرقابة والتفتيش وتعزيز الحملات التي تستهدف هذا القطاع واتخاذ عقوبات رادعة بحق الشركات المخالفة، وتحسين شروط العمل ومنع التعدي على حقوق العمال وتحسين شروط العاملين في القطاع.
وقال المحامي المختص في شؤون القضايا العمالية عبدالجواد النتشة إن الحد الأدنى للأجور ينطبق على جميع العمال باستثناء قطاع التحميل والتنزيل والعاملين في المنازل وقطاع الغزل والنسيج، مشيرا إلى أن العمل في قطاع الخدمات بالمستشفيات تكون غالبيتها عن طريق متعهد أو شركة لتقديم الخدمات من خلال عطاءات بحيث تكون العلاقة القانونية العمالية بين صاحب العطاء أو الشركة والعمال.
وأوضح أن العمال يستحقون الحقوق المنصوص عليها في قانون العمل بصرف النظر عن طبيعة العقد أو التعاقد بحيث يستحق العمال الحصول على الإجازات المرضية والسنوية والحقوق الأخرى المنصوص عليها في قانون العمل كالعمل الإضافي، مبينا أن عدم معرفة العمال بأبسط حقوقهم القانونية والحاجة إلى العمل والخوف من فقدان وظائفهم في حال تقديم شكوى تؤدي إلى انتهاك حقوقهم المنصوص عليها في قانون العمل.
ولفت إلى جهل بعض العمال بإجراءات التظلم وخاصة مع تطور شكاوى وزارة العمل عن طريق الموقع الإلكتروني، بالإضافة إلى عزوف العمال عن المطالبة القضائية في حال انتهاك حقوقهم لصعوبة وكلفة الإجراءات القانونية، مطالبا المستشفيات بعدم التعاقد مع الشركات المتخصصة في مجال الخدمات إلا إذا كانت شركة مرخصة قانونيا وتحترم حقوق العاملين لديها.
وقال رئيس بيت العمال للدراسات حمادة أبو نجمة إن هناك العديد من المخالفات التي رصدت ترتكب بحق عمال الخدمات؛ مثل ساعات العمل الطويلة التي تصل إلى 16 ساعة يوميا، وعدم حساب جزء من خدمة العامل في الضمان الاجتماعي، أو منح العمال الإجازات السنوية والمرضية والأمومة وحرمانهم من العطل الرسمية والدينية وعدم دفع أجور العمل الإضافي عن العمل في العطل والإجازات، بالإضافة إلى عدم توفر شروط السلامة والصحة المهنية وغرامات الخصم من الراتب في حال التأخر الصباحي عن العمل بما يزيد عن الحد القانوني.
وبي أن معظم شركات النظافة تعمل من خلال عقود لصالح وزارة الصحة ومؤسساتها؛ كالمستشفيات والمراكز الصحية بموجب إجراءات العطاءات في نظام اللوازم العامة، ولأجل المنافسة للفوز بالعطاء فإن الشركات تخصص لبند أجور العاملين الحد الأدنى من الأجور، وتحرص على استخدام وسائل متعددة لتخفيض كلفة الأجور عليها من خلال فرض غرامات على العاملين لأبسط الأسباب وبما يزيد عن الحد المسموح به في قانون العمل، كحالات التأخير عن الحضور إلى الدوام صباحا أو أية سلوكيات أو ممارسات تصنفها الشركات بأنها مخالفات أو تقصير في أداء الواجبات.
وأشار إلى قيام بعض الشركات بالتلاعب في قيمة الاشتراكات التي تدفع عن العامل إلى الضمان الاجتماعي، بحيث لا يتم حساب بعض أشهر خدمة العامل، ومنهم من يقتطع منه اشتراكات الضمان الاجتماعي دون تسجيله في الضمان، وفي كثير من الأحيان يكتشف العمال من خلال مراجعاتهم لمؤسسة الضمان أو في حال إصاباتهم بإصابة عمل، أو رغبتهم بالتقاعد أو التقاعد المبكر بأن هناك فترات متقطعة من خدمتهم لم تكن مسجلة في الضمان.
وبحسب أبو نجمة، ضبطت مؤسسة الضمان الاجتماعي آلاف حالات تهرب وتلاعب عدد من الشركات في شمول العمال بالضمان بلغت في سنوات ماضية حوالي 1500 مخالفة سنويا بين عدم شمول، أو شمول متقطع، أو شمول بناء على بيانات غير حقيقية من حيث قيمة الأجر أو مدة الخدمة.
وأوضح أن بعض الشركات لا تمنح العاملين لديها أي زيادات على الأجور مهما بلغت خدمة العامل، ويبقى أجر العامل طوال خدمته مساويا للحد الأدنى للأجور، ويخضع الأجر للعديد من الاقتطاعات، منها ما هو قانوني مثل اشتراكات الضمان الاجتماعي، وآخر غير قانوني كالغرامات وخصم أجور الإجازات السنوية والمرضية والعطل والأعياد، فتخصم أجور العاملين عن الأيام التي يتغيب فيها العامل في إجازة سنوية أو مرضية أو في العطل الرسمية والأعياد.
وأضاف أن بعض الشركات لا تدفع لهم أجورا إضافية عن أيام العطل التي يعملون فيها، وفي كثير من الحالات يجري تشغيلهم ساعات إضافية تزيد على ساعات العمل اليومية البالغة 8 ساعات دون أن تدفع لهم أجور عمل إضافية كما يوجب القانون.
ولفت إلى تعديل تعليمات عام 2018 بخصوص عطاءات مستشفيات وزارة الصحة التي أصبحت تلزِم المتعهد بألا تقل أجور العاملين لديه عن الحد الأدنى للأجور، وأن تحول أجورهم إلى البنوك مع تقديم إشعار بذلك إلى وزارة الصحة، وبعكس ذلك تفرض على الشركة غرامة، وكذلك في حال تأخرها في دفع الأجور عن مواعيدها الشهرية.
وأكد أنه لا يمكن ضبط هذه المخالفات والحد منها بالاعتماد فقط على شكوى العاملين، ويفترض في وزارة الصحة أن تفعل تعليمات عطاءات المستشفيات، وأن تشدد رقابتها على التزام الشركات بأداء حقوق العاملين وتطبيق قانون العمل، وأن تتعاون مع كل من وزارة العمل ومؤسسة الضمان الاجتماعي بهذا الشأن، بحيث توقف مستحقات الشركات لدى وزارة الصحة في حال عدم الالتزام وتفرض عليها غرامات رادعة.
وقال مدير مديرية التفتيش في وزارة العمل هيثم النجداوي إن عقود العمل بصرف النظر عن المدة الزمنية للعقد يستحق العامل الإجازات السنوية والمرضية، والأصل أن يكون هناك اتفاق مسبق بين العامل وصاحب العمل على تحديد موعد هذه الإجازات، مبينا أن العامل يستحق 14 يوما إجازة سنوية و21 يوما إذا أكمل خمس سنوات لدى صاحب العمل، فإذا انتهت خدمته ولم يأخذ الإجازات يستحق بدل الإجازات وتحسب عن رصيد آخر عامين.
وأوضح النجداوي أنه في حال عدم التزام المنشأة بدفع فرق الحد الأدنى للأجور للعاملين لديها ستحرر مخالفات ضدها بعدد العاملين لديها،والحكم للعامل بفارق الأجر.
(بترا)