دين و دنيا

إعمار المقدسات الإسلامية في عهد الملك المؤسس

تمارس المملكة الأردنية الهاشمية مسؤوليتها تجاه المقدسات في القدس، انطلاقاً من الوصاية الهاشمية التاريخية عليها، فقد ارتبط الهاشميون تاريخياً، جيلاً بعد جيل، بعقد شرعيّ مع تلك المقدسات، فحفظوا لها مكانتها، وقاموا على رعايتها، مستندين إلى إرثٍ ديني وتاريخي، وارتباطٍ بالنبي العربي الهاشمي محمد صلّى الله عليه وسلم.
متخصصون أكدوا أن الدور التاريخي للهاشميين في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف هو تاريخ أصيل متوارث من جيل إلى جيل، امتد منذ بداية الرسـالة المحمدية للنبي محمد صـلى الله عليه وسـلم، وتوج بالعهدة العمرية كأول وثيقة في التاريخ وجدت لخلق حالة من التعايش والمحبة والسـلام بين أتباع الديانات السماوية.
وأضافوا أن الوصاية والرعاية الهاشمية ستبقى السد المنيع الذي يحمي القدس ومقدساتها ويحافظ على هويتها التاريخية العربية، وأن الأردن سيبقى الداعم والمساند لأهل فلسطين والقدس مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.
وأشارت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، عبر موقعها الإلكتروني، إلى أن القدس كانت على رأس أولويات الشريف الحسين بن علي، وتكرّست الرعاية الهاشمية للمقدسات فيها حين انعقدت له البيعة والوصاية من أهل فلسطين في عام 1924، فكان أولَ المتبرعين لإعادة إعمار المسجد الأقصى، إذ بادر مع ابنه الأمير عبدالله (آنذاك)، إلى تقديم مبلغ يعادل حوالي 50 ألف ليرة ذهبية لإعمار المقدّسات الطاهرة، وهو ما سُمّي بـ “الإعمار الهاشميّ الأول”.
وبين أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس، عبد الله كنعان، أن جذور الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية في القدس تعود إلى حادثة الإسراء والمعراج، كما ترجع الوصاية على المقدسات المسيحية في القدس إلى العهدة العمرية، وفي تاريخها الحديث فان الوصاية الهاشمية تعود إلى عام 1915م، حيث تمسك الشريف الحسين بن علي في مراسلاته التاريخية مع مكماهون البريطاني بكل شبر من أرض فلسطين والقدس ضمن البلاد العربية الموحدة التي نادى باستقلالها وحريتها.
وأضاف: بعد مبايعة الشريف الحسين بن علي عام 1924م بدأت جهود الإعمار الهاشمي للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ففي العام ذاته زار وفد مقدسي برئاسة رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الحاج أمين الحسيني شريف مكة الحسين بن علي طيب الله ثراه، وأطلعه على حاجة المسجد الأقصى ومساجد القدس فتبرع الشريف الحسين بمبلغ مالي بلغ مع تبرعات لاحقة حوالي 38 ألف ليرة ذهبية، وكان الشريف الحسين بن علي قبل مغادرة الوفد أبرق إلى نجله سمو الأمير عبدالله في عمّان بأن يتوجه شخصياً إلى المسجد الأقصى ليكشف على مشروع العمارة كشفاً فنياً مبيناً مقادير النفقة المقتضاة، فأجرى سموه الكشف ورفع تقريراً ضمّنه بيانات المشروع ومقدار النفقات”، وبناء على ذلك أرسل الحسيني رسالة إلى الأمير عبد الله يرجوه فيها أن تكون عمارة الحرم الشريف كلها تحت رئاسة سموه وتحت رعاية الشريف الحسين بن علي. وبين كنعان أن إعمار عام 1924م كانت له أهمية بارزة في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، خاصة بعد تعرضها إلى زلزال شديد عام 1927م، حيث سارع الأمير عبدالله إلى إعمارها، بما فيها المقدسات المسيحية، حيث تبرع بالأموال وأمر بجمع التبرعات من الهيئات المسيحية وأعاد ترميم كنيسة القيامة هذا الاهتمام بالكنيسة كان مبادرة وحرصا ملكيا هاشميا امتد لعقود وكان آخرها مبادرة الملك عبدالله الثاني بإعمار القبر المقدس داخل كنيسة القيامة عام 2016 -2017م، مشيرا إلى أن المغفور له الملك عبدالله الأول شارك بنفسه بإخماد حريق شب في كنيسة القيامة عام 1949م.
وتابع: مع قيام إمارة شرق الأردن عام 1921م، استمرت، في ظل الولاية والرعاية الهاشمية، مسيرة الحفاظ على المقدسات في مدينة القدس، حيث تولى المغفور له الأمير عبدالله مسؤوليات والده الشريف الحسين بن علي رحمه الله في ظروف سياسية واقتصادية صعبة كانت تعيشها المنطقة، نتيجة للنفوذ البريطاني، وانتداب بريطانيا على فلسطين الذي مهد الطريق أمام الحركة الصهيونية للسيطرة على فلسطين التاريخية، ففي عام 1929م هبَّ الأمير عبدالله والشعب الأردني للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في دفاعه عن مقدساته إثر الاعتداء الصهيوني على حائط البراق، والدفاع عن الحق العربي في فلسطين كلها، وسارع الأمير عبدالله إلى رفع مذكرة إلى المندوب السامي البريطاني محتجاً فيها على تلك التجاوزات الناتجة عن التطرف الصهيوني، وعلى إثر عزم عصبة الأمم المتحدة آنذاك إرسال لجنة تحقيق في قضية البراق رفع الأمير عبدالله مذكرة أكد فيها على عروبة وإسلامية المسجد الأقصى، حيث استند فيها على القرآن الكريم والأحاديث النبوية والكثير من الوقائع والوثائق التاريخية، ورفعت اللجنة توصياتها إلى عصبة الأمم وتضمنت الإشارة إلى أن للمسلمين وحدهم تعود ملكية حائط البراق ولهم الحق وحدهم فيه باعتباره جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي وقف إسلامي.
واسترسل كنعان: إلا أن الأحداث سارت بشكل صعب وبغير ما كان المغفور له الملك عبدالله الأول يتمناه وكل العرب معه، خاصة عندما قررت بريطانيا إنهاء الانتداب على فلسطين وانسحابها في 15 من أيار عام 1948م، حيث أعلن ما يُسمى المجلس القومي اليهودي المؤقت إعلان قيام دولة إسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال)، فقامت الحرب، وبأمر من جلالته كان الجيش الأردني أول الجيوش العربية التي دخلت فلسطين، حيث خاض الجيش العربي الأردني أروع البطولات من أجل الحفاظ على عروبة القدس وسلامة مقدساتها الاسلامية والمسيحية كمعارك باب الواد، واللطرون، والشيخ جراح، وغيرها معطرا بدماء شهدائه ثرى القدس الطاهر. وزاد: بعد حرب عام 1948م عقد أهل القدس البيعة إلى جلالة الملك المؤسس عبد الله الأول رحمه الله، حيث ناشده أهل القدس؛ مسلمين ومسيحيين، إضافة إلى شخصيات أخرى فلسطينية وعربية الحفاظ على القدس.
وذكر كنعان أنه ومن أوجه الاهتمام بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس تم بتاريخ 11 كانون الأول عام 1950م استحداث منصب “ناظر الحرم الشريف والحارس السامي للأماكن المقدسة” برتبة وراتب وزير دولة، يكون مركزه مدينة القدس.
وأوضح ان الموقف الهاشمي التاريخي الذي ورثه المغفور له الملك عبدالله الأول عن والده في حماية القدس ومقدساتها شمل بالإضافة إلى الإعمار، رفض أي مقترحات ومشاريع سياسية تعارض الحق الثابت للشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته، ومن ذلك رفض جلالته قرار الجمعية العامة رقم 181 لسنة 1947م، الذي نص على تدويل القدس، حيث علل جلالته رفضه قائلاً: “لقد كان طلب تدويل القدس غاية في الغرابة وتفريطاً في الحقوق والمصالح العربية وتسليماً بالمقدسات إلى السيادة الدولية..”، ومن هذا المنطلق كانت دعوة جلالته لإنشاء صندوق الأمة لدعم أهالي القدس وحمايتهم من هجرات الصهاينة ومصادرتهم للأراضي العربية الفلسطينية.
هذا وبين كنعان حرص جلالته على مخاطبة الرأي العام العالمي ومن ذلك المقال المهم لجلالته المنشور في المجلة الأميركية في تشرين ثاني عام 1947م بعنوان: “كيف يرى العرب اليهود”، والذي لخص فيه جلالته المحطات التاريخية للقضية الفلسطينية، مطالبا العالم أن يعي مأساة الشعب الفلسطيني وأن يناصر حقه التاريخي في أرضه ومقدساته.
وقال إن خطوة جلالته المهمة في توحيد الضفتين عام 1950م شكلت تفصيلا مهما في حماية القدس ومقدساتها، حيث حرص جلالته على توجيه الإدارة والمؤسسات بخدمة الأهل في فلسطين والقدس حتى استشهاده على أبواب المسجد الأقصى المبارك عام 1951م.
وذكّر أن الإعمار الهاشمي للمقدسات الإسلامية والمسيحية في عهد المغفور له جلالة الملك عبدالله الأول ما هو إلا محطة تاريخية من مسيرة الرعاية والوصاية الهاشمية التي ما يزال جلالة الملك عبدالله الثاني يحملها إلى المحافل الدولية كافة باعتبارها بوصلة ومسيرة يتتبعها الآباء والأجداد من بني هاشم الأخيار.
إلى ذلك، قال رئيس جامعة الحسين بن طلال، الدكتور عاطف الخرابشة، إن الجامعة نظمت خلال حزيران الماضي مؤتمرا دوليا علميا محكما حمل عنوان الملك المؤسس “الشخصية، والقيادة، والتاريخ”، بمشاركة عدد من الأكاديميين وقادة الرأي والشخصيات العامة من الأردن ومختلف الدول العربية، ناقشوا فيه 56 ورقة بحثية في جوانب مختلفة. ووفقا لبيان المؤتمر الختامي خلصت لجنة التوصيات لنتائج عدة أبرزها تسليط الضوء على دور الملك المؤسس في تطوير الحياة السياسية والتشريعية والقضائية في الأردن، إضافة إلى إجراء مزيد من الدراسات عن دور الملك المؤسس في الدفاع عن فلسطين وحماية وإعمار المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس التي جاءت بمناداة من أهل فلسطين تأكيدا على الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية الاسلامية والمسيحية.
وركزت التوصيات كذلك على دراسة فكر الملك المؤسس ودوره في دعم القضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية، ونشر فكره في التحول الديموقراطي، بالإضافة لدراسة الإنجازات الكبيرة في عهد الملك المؤسس الداخلية والخارجية ومنها: دستور 1928، ودستور 1947، وإنشاء جامعة الدول العربية، وتأسيس الجيش العربي.
وشددت التوصيات على ضرورة دعم البحث العلمي في مجال الأدب في عهد الملك المؤسس حفاظاً على السيرة الأدبية للمغفور له بإذن الله، وإعادة النظر في أعماله الأدبية، دراسة وتحليلا، إلى جانب التركيز على البعد الوحدوي في فكره السياسي، وترجمة إنجازاته إلى لغات عالمية أخرى؛ لإطلاع العالم عليها وعلى مسيرة الدعم الهاشمي للقضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية.
-بترا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى